وتستمرّ الحياة.. التونسيّون لا يخشون الاعتداءات الإرهابية

01 ديسمبر 2015
لم يفوتوا حضور أيام قرطاج السينمائية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

ليلةٌ صعبة عاشَها التونسيون في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد تفجير حافلة الأمن الرئاسي في قلب العاصمة. كانوا على يقين أن الإرهاب انتقل إلى مرحلة جديدة. فحادثة التفجير هذه ليست العملية الإرهابية الأولى التي تشهدها تونس بعد الثورة. سبقتها عمليات إرهابية عدة راح ضحيّتها سياح وجنود وأمنيّون ومواطنون. بدأت هذه الأحداث في المناطق الحدودية مع الجزائر، لتنتقل إلى المدن، على غرار الهجوم الذي استهدف فندقاً في مدينة سوسة على الشريط الساحلي للبلاد في 26 يونيو/حزيران الماضي، وراح ضحيته 38 سائحاً أجنبياً، وقد تبناها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تلاه هجوم في 18 مارس/آذار الماضي، وقد استهدف متحف باردو قرب العاصمة تونس.

آخر عمليّة استهدفت الأمن الرئاسي، وقعت على بعد أمتار فقط من وزارة الداخلية. مع ذلك، لم يلزم التونسيّون بيوتهم على الرغم من رداءة الطقس. توجّه بعضهم إلى مكان التفجير، وتجمّعوا في شوارع محمد الخامس والحبيب بورقيبة وجون جوريس وباريس وغيرها بدافع الفضول وربما الاطمئنان.
الحدث الإرهابي دفع الحكومة إلى فرض حالة الطوارئ في البلاد، لمدة شهر، وحظر التجوال في العاصمة والمدن الكبرى، ليلتزم المواطنون بيوتهم، من الساعة التاسعة مساءً وحتى الساعة الخامسة صباحاً. هكذا، اضطرّ التونسيّون إلى تغيير عاداتهم، هم الذين اعتادوا ارتياد المقاهي ليلاً.

مع ذلك، لم تتغيّر حياةُ التونسيّين اليومية، وإن ظنّ كثيرون أن الشارع التونسي سيصاب بالإحباط والخوف. لكن حدث العكس، وتوجه المواطنون إلى أعمالهم وغيرها.
في هذا السياق، يقول الموظّف عبدالكريم التايب، إن "الإرهاب لن يحبط أحداً أو يثنيه عن العمل أو ممارسة حياته بشكل طبيعي". يضيف أنه شعر بصدمة بعد الحادث المؤلم الذي استهدف جهازاً أمنياً، لكنه على يقين أن هذه العمليات الإرهابية ستبقى مجرّد عمليات متفرقة، ولن ترقى إلى مستوى يهدد أمن البلاد والمواطنين، وخصوصاً أن المنظومة الأمنية في البلاد تقوم بواجبها في الدفاع عن البلاد وإحباط المخططات الإرهابية، على حدّ قوله.

وقبلَ أيام من وقوع هذا العمل الإرهابي، كانت العاصمة التونسيّة قد شهدت تعزيزات أمنية كبيرة، وخصوصاً في الشوارع الكبرى، على غرار شارع الحبيب بورقيبة، بعد أنباء عن محاولة إرهابي وضع قنبلة في أحد أكبر المحال التجارية في شارع الحبيب بورقيبة. تهديدٌ لم يمنع توافد التونسيّين إليه. وتشير المواطنة لمياء بن فرج إلى أنه لا يجب على التونسيين أن يخافوا من التهديدات أو يلازموا بيوتهم بعد الحادثة التي استهدفت الأمنيين، "وخصوصاً أنّنا نثق بالجهود الأمنية التي أحبطت العديد من العمليات الإرهابية، وتسعى إلى حماية غالبية المناطق العامة التي تشهد تواجداً كثيفاً للمواطنين".

وتزامنت العمليّة الإرهابية مع انطلاق فعاليات أيام قرطاج السينمائية الذي يستضيف فنانين وممثلين من مختلف البلاد العربية، والذي عادة ما يقام في أكبر مسرح في شارع الحبيب بورقيبة. وعلى الرغم من الهجوم الإرهابي وفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال ليلاً، شهدت غالبية قاعات العروض اكتظاظاً كبيراً، وخصوصاً أن إدارة المهرجان عدّلت توقيت العروض، حتى لا تتزامن وتوقيت حظر التجول. في هذا الإطار، تشير الطالبة ابتسام رمضاني إلى أن التونسيّين يحبون المسرح والسينما، كما أنها لم تفوّت فرصة مشاهدة العروض لأنّها متأكدة من حرص المعنيين على توفير الأمن، ما جعلها تشعر بالاطمئنان.

اقرأ أيضاً: هكذا نجا شقيق التونسيتين من الموت في هجوم باريس

من جهته، يؤكّد مدير المهرجان، إبراهيم اللطيف، لـ "العربي الجديد" أن العروض استمرت بشكل عادي ومنظّم، ووفقاً للجدول المحدد، كما أنّ التوافد على العروض لم يشهد تراجعاً، بل اكتظّت قاعات العرض بالناس من مختلف الجنسيات العربية. يضيف: "لعلّها كانت أبرز رسالة من التونسيين الذين يصرون على تحدي الإرهاب الذي لن يثنيهم عن ممارسة حياتهم كما اعتادوا دوماً، هم الذين يحبون الفن".

ولم تشهد مقاهي العاصمة ركوداً أو تراجعاً في عدد الوافدين. ظلت الحياة فيها عادية، وكأن شيئاً لم يحدث. يقول النادل في أحد المقاهي، أشرف براهمي، إن العملية التي حدثت في قلب العاصمة وفي أكبر شوارعها، جعلت الغالبية يظنون أن التونسي سيصبح أكثر خوفاً من العمليات الإرهابية، وقد يتجنب الذهاب إلى المقاهي وسط العاصمة. لكن على عكس توقعاتنا، لم تشهد المقاهي، وخصوصاً تلك المنتشرة على طول شارع الحبيب بورقيبة، تراجعاً في الإقبال.

إلى ذلك، يبدو أن غالبية التونسيّين لا يرون ما يدعو للخوف على حياتهم. ويعتقد عدد كبير منهم أن الإرهاب في تونس يستهدف الأمنيين وعناصر الجيش أو السياح وليس المواطنين العاديين. أما العمليّات التي استهدفت بعض الرعاة في الجبال، فيعود السبب إلى تعاملهم مع القوات الأمنية لتتبع حركات الجماعات الإرهابية المتحصنة في الجبال. وعلى الرغم من تأكيد وزارة الدفاع، أنها لم تكلف الراعي مبروك السلطاني، الذي أعدم، بتتبّع الإرهابيين، إلا أنّ بعض التونسيين ما زالوا يجزمون أنّ الإرهاب يستهدف فقط الأمن والجيش. ويقول العامل صالح الشرقي، إنّه لا يعتقد أن العمليات الإرهابية قد تستهدف المواطنين، بدليل القبض على العديد من الإرهابيين واكتشاف مخازن أسلحة داخل بعض المدن. مع ذلك، لم يستهدف هؤلاء الإرهابيون المواطنين على الرغم من امتلاكهم السلاح. يضيف أن هذا الاطمئنان لا يعني عدم الحذر أو الخوف من الإرهاب الذي أثر على القطاع السياحي بشكل كبير، بل لا بد للتونسي أن يعيش حياته بشكل عادي، حتى لا تتأزم أوضاع البلاد أكثر، والعمل على إعطاء صورة أفضل عن تونس في الخارج، بالإضافة إلى الثقة في الأجهزة الأمنية والعسكرية. يعينهم في ذلك الأمل بغد أفضل، وإن كانوا يتوقّعون وقوع المزيد من الخضات الأمنية في المستقبل.

اقرأ أيضاً: معلّم تونسي يحارب الإرهاب ببناء مسرح