راحة البال

راحة البال

13 سبتمبر 2017
أنا مرتاح على هذه الحال (بونيت بارانجبي/ فرانس برس)
+ الخط -
تقول طرفة: "طوال أيام، لاحظ رجلٌ صيادَ سمك يجلس على صخرة، ويواجه البحر من الصباح إلى المساء، ويغادر مع سلّته. في أحد الأيام قرر أن يحدّثه عن ذلك ويقدم له النصح في ما يجدر به أن يفعل. اقترب منه، ومن حديث إلى آخر، سأله: لماذا لا تبيع السمك الذي تصطاده وهكذا يتحقق لديك ربح إضافي؟ فأجاب الصياد: ولمَ ذلك؟ قال الرجل: عندها ستتمكن من تطوير هذه المهنة ويوماً بعد يوم ستشتري مركباً وتتحقق لديك أرباح أكبر. فأجاب الصياد: ولمَ ذلك؟ قال الرجل: عندها ربما تشتري مراكب عديدة وتشغّل عليها صيادين كثراً. وقبل أن يفتح الصياد فمه، تابع الرجل: وكلما بات لديك المزيد من المراكب والصيادين العاملين لحسابك كلما بات ربحك أكبر بكثير. أجاب الصياد وهو ما زال على موقفه بينما يتابع نشاطه: وماذا أفعل بالمال؟ قال الرجل فوراً: تتمتع به وتضمن تقاعداً مريحاً فيتسنى لك قضاء إجازات رائعة، كأن تذهب إلى صيد السمك مثلاً... نظر الصياد هذه المرة إلى الرجل، وقال له: هل أنت غبي؟ ها أنا أصطاد السمك بالفعل وأنا مرتاح على هذه الحال!".

هما منطقان قائمان. أحدهما يعتبر أنّ الاندماج الكامل في ما يرسمه المجتمع لأبنائه من خلال ربطهم بأنماط الإنتاج هو الحياة نفسها. والآخر يعتبر الخروج عن هذا الاجتماع بأكمله وكسر القالب النمطي المساق إليه بقوة ثقافية قاهرة هو الحياة في المقابل، سواء حاول أن يدعو غيره إلى ما توصل إليه أم لا.

الأخير اتخذ قرار الخروج، وهو خروج الخبير الذي اكتشف بعد تجارب زيف القدرة على الوصول إلى الحلم الذي يؤمن به الأول. فإيمان الأول بالحلم لم يكن بإرادته بل في صلب تنشئته فلم يتنبه لشيء خارج هذا الإطار. هو مدفوع إليه بعبارات تدخل في بنيته الثقافية من قبيل "من جدّ وجد ومن زرع حصد" وغيرها مما يدخل في إطار التخدير الجماعي الذي يضع الكادحين في سكة الإنتاج ليتعبوا وحدهم ويحقق الأرباح متحكم بهم. أما هم فلا يملكون إلاّ لوم بعضهم البعض ولوم أبنائهم على عدم "جدّهم". ومن يؤمنون بالاستقراء يتضح لهم تماماً أنّ نسبة ضئيلة جداً، تصل إلى الصفر متبوعاً بفاصلة وأصفار كثيرة ثم رقم غيرها، هي التي فازت بجائزة اللوتو منذ تأسيسها حتى اليوم.

"ها أنا أصطاد"... السائل اعتاد نمطاً معيناً من الحياة مكوناً من تعليم ثم عمل ثم زواج ثم أولاد ثم تقاعد، فيعتبر نجاحه في ذلك النمط هو أعظم إنجاز على الإطلاق، وغالباً ما لا ينجح فالحياة دائمة المفاجآت غير ثابتة على حال، وأيّ خطوة ناقصة قد تكسر "نجاحه".

هو ببساطة غير مجهز لاستقبال حقيقة أنّ ذلك الصياد مرتاح بالفعل... بل أكثر من ذلك مشفق على حال الرجل... وحالنا معه.

المساهمون