عمّال التَّراحيل: مصريون يقصدون الأرصفة طلباً للرزق

عمّال التَّراحيل: مصريون يقصدون الأرصفة طلباً للرزق

06 مارس 2015
أكثر ما يُبهج عامل التراحيل أن يضمن قوت يومه(الأناضول)
+ الخط -
بين عشرات من أقرانه يقف حمدي عوض في وسط ميدان محطة مصر بمحافظة الإسكندرية (شمال مصر) شارداً مهموماً، يترقب رزقه الذي تأخر عليه هذا اليوم.
بمجرد الاقتراب منه تلاحظ آثار أشعة الشمس التي رسمت علامات الشقاء في وجهه وغيره ممن يقف بجوارهم من عمال التراحيل، والذين نحت الفقر خطوطاً ظاهرة في ملامحهم الشابة، وتمكنت تجاعيد العوز من أجسادهم.
وعمال التراحيل هم فئة من العمالة المتحركة، تتنقل من مكان لآخر، حسب الحاجة، للقيام بأعمال عضلية مثل الحفر والهدم والبناء وغير ذلك، ولا ينتظمون ضمن إطار مؤسسي أو قانوني، لذلك يعتمدون على الأجر اليومي. وقد زادت أعدادهم في مصر مؤخراً نظراً لارتفاع معدلات البطالة. وغالباً ما يعرضون أنفسهم للعمل في الميدان العامة بمصر، يومياً.
ولدى عوض خمسة أبناء يعيشون في إحدى قرى محافظة المنوفية، لا يراهم إلا على فترات متباعدة أو في المناسبات والأعياد منذ قدومه إلى المدينة الساحلية من 8 سنوات بحثاً عن لقمة العيش. لم ينزعج خلالها من الظروف الصعبة التي يعيش فيها بقدر خشيته من جلوسه لأيام دون عمل بعد تزايد أعداد المنضمين إليه من العاطلين سواء من المحافظات المجاورة أو المصريين العائدين من ليبيا بعد الضربة الجوية المصرية لمدينة درنة الليبية.
فمنذ خروجه من منزله في السادسة صباحاً حاملاً في يديه مطرقة ومجموعة من العدد الحديدية وجلوسه على الرصيف كغيره من عمال التراحيل، ينتظر بلهفة وترقب زبوناُ أو فرصة للعمل، والتي أصبحت في مهب الريح في الفترة الأخيرة بعد أن ضاقت به السبل لضمان توفير فرصة يومية في هذه المهنة الشاقة التي تعتمد فقط على صحتهم وقوتهم. ينتظر كغيره الفرَج الذي يأتيهم في صورة طلب من الأهالي ببناء جدار أو ترميم حائط أو غيره.
"رضينا بالهَم. والهَم مش راضي بينا". هكذا عبّر عوض، عن أحواله هو وزملائه ومعانته منذ قدومه للإسكندرية قائلاً: "أسكن في غرفة واحدة بها 10 أفراد من أبناء قريتي فشلنا جميعاً في إيجاد فرصة للعمل حتى كعمال تراحيل". وقال في مقابلة مع مراسل "العربي الجديد": "تأتي فترات أشتغل يوم وعشرة لأ"، خاصة بعد
المنافسة الشديدة التي اقتحمت عملهم من قبل العائدين من ليبيا في الفترة الأخيرة، وفق عوض.

اقرأ أيضا: العمالة المطاردة..مصري يروي قصة هروبه من جحيم "داعش"

وأضاف: "أعمل أنا وغيري في كافة الظروف تحت أشعة الشمس الحارقة صيفاً أو تحت مياه اﻷمطار في البرد القارص شتاءً" للحصول بالكاد على ما يكفي الحياة اليومية له ولأسرته، موضحاً أنه يلجأ "للاستدانة في أحيان كثيرة، كي يستطيع مواصلة باقي أيام الشهر".
وأوضح أن المقابل المادي غير دائم ويتم تحديده حسب الاتفاق. وبالكاد يكفي المأكل والمشرب، بعد تزايد أعداد العاطلين وانضمامهم إلى أماكن تواجده هو وزملائه في منطقة محطة مصر أو على بعض المقاهي المشهورة في مختلف مناطق المحافظة، سعياً للعمل في قطاع البناء.
على بعد عدة أمتار من عوض، يقف رجب خيري (في الأربعينات من عمره) يتابع حديث "العربي الجديد" مع زميله، حول كيفية إيجاد فرصة العمل. وقال خيري، ننتظر بالساعات أو بالأيام حتى نجد زبون أو مقاول بعد شكوى الجميع من وقف الحال، مؤكدًا أن عمله كان يوفر لهم دخلًا يتمكن من خلاله من الإنفاق على أبنائه ولأسرته.
أوجاع خيري لم تقف عند ضيق ذات اليد، والتي زادت أيضاً بعدما استخدم الكثير من أصحاب الأعمال أو المقاولين المعدات الحديثة التي تقلل من الاعتماد على العمالة، إذ يتطرق إلى محاولاته اليائسة للبحث عن فرصة عمل دائمة، أو إيجاد أي دعم حكومي أو حتى توفير رعاية صحية، فعمال التراحيل لا نقابة لهم ولا تأمينات.
وبنبره يكسوها الحزن، قال حسين سعد، إن عودة العمالة المصرية من ليبيا ليست مشكلة لأصحابها فقط وإنما لأمثاله من عمالة التراحيل بعد انضمام أغلبهم إلى طابور العاطلين. وأكد أن الاعتقاد بأن من يعمل في هذه المهنة أشخاص أميّون ولا يجيدون أي حرفة غير صحيح، فقد تغيرت الأحوال في السنوات الأخيرة، بعدما أصبحت هذه الوظيفة، المأوى والملاذ لكثير من أصحاب المؤهلات المتوسطة والجامعية ممن فقدوا فرصة اللحاق بأية وظيفة.
ويتذكر سعد موقفاً لأحد الزبائن الذي استعان بغيره في رفع عدد مخلفات مواد البناء إلى الأدوار العليا بعد أن وافق على الحصول على نصف ما اتفق عليه معه للقيام بنفس المهمة، في إشارة إلى المنافسة الكبيرة بين عمال التراحيل، فضلاً عن الموافقة على العمل بنصف الأجر فقط، بفعل قلة الفرص.

اقرأ أيضا: سائق التوك توك..مهنة خريجي الجامعات والأطفال في مصر
اقرأ أيضا: عمال النظافة..مهنة مرهقة في غزّة وأجر زهيد
اقرأ أيضا: بائعة البخور..تركت التعليم بسبب فقر أسرتها

المساهمون