حرب صينية على ألعاب الفيديو

حرب صينية على ألعاب الفيديو

10 اغسطس 2021
"تنسنت" أكبر شركة في العالم لناحية إيرادات ألعاب الفيديو (نويل سيليز/فرانس برس)
+ الخط -

تكبدت شركة "تنسنت" الصينية خسائر كبيرة قبل أيام، بعدما وصفت صحيفة حكومية ألعاب الفيديو بأنها "أفيون للعقل" يضر بالمراهقين، الأمر الذي دفع الشركة إلى التعهد بالحد بشكل أكبر من وصول القاصرين إلى إصداراتها، عبر تنظيم وقت اللعب وتحديد سن المستخدمين، تحت عنوان "دوريات ليلية" ببرنامج للتعرف على الوجه يمنع القصّر من استخدام الألعاب. جاء ذلك وسط مخاوف وتكهنات من أن يكون قطاع ألعاب الفيديو الهدف التالي للتدقيق والمراجعة من قبل الدولة بعد قطاعي التعليم والتجارة الإلكترونية الذي طاول شركات كبرى بينها "علي بابا".

وكانت صحيفة "إيكونوميك إنفورميشن ديلي" التي تديرها وكالة أنباء "شينخوا" الناطقة باسم الحزب الشيوعي، قد نشرت مقالاً الأسبوع الماضي، تحدثت فيه عن نمو صناعة ألعاب الفيديو في البلاد التي تبلغ قيمتها مئات المليارات، وأشارت إلى سلسلة من التهديدات التي تشكلها على الشباب والمراهقين، وقالت إنه لا ينبغي أن تزدهر أي صناعة على حساب تدمير جيل كامل. غير أن المقالة لم تشر إلى أنه سيتم اتخاذ إجراءات محددة من قبل الدولة، ولم يكن واضحاً ما إذا كانت تعكس وجهات نظر مسؤولي الحزب الشيوعي، لكن ذلك كان سبباً كافياً في تراجع قيمة أسهم شركة تنسنت بنسبة 10 في المائة في اليوم الأول من نشر المقالة. ومما زاد من حالة عدم اليقين، اختفاء رابط المقالة من موقع الصحيفة الإلكتروني، قبل أن يعود للظهور في وقت لاحق وقد تم حذف مصطلح "أفيون للعقل".

تملك "تنسنت" العديد من المنصات والتطبيقات المشهورة في الصين وحول العالم، وهي تجني من ذلك أرباحاً طائلة

هذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها مقارنة ألعاب الفيديو بالمخدرات في الصين، فقد تم استخدام مصطلحات مشابهة في وسائل الإعلام الصينية في الماضي، للتحذير من أضرار هذه الألعاب على الشباب، ودورها في صرف أنظارهم عن القيم الاشتراكية التي يسعى الحزب الشيوعي إلى نشرها وتعزيزها داخل المجتمع الصيني.

ويرتبط الأفيون بذاكرة سيئة بالنسبة للصينيين، ويعتبر موضوعاً حساساً، فخلال ما يعرف بـ "حرب الأفيون الأولى" التي اندلعت بين عامي 1839 - 1842، تلقت الصين هزيمة نكراء واضطرت بموجب اتفاقية مذلة للتنازل عن جزيرة هونغ كونغ إلى بريطانيا، وشاع آنذاك إدمان الأفيون وانتشاره على نطاق واسع بين أفراد الشعب الصيني.

إمبراطورية تنسنت
تملك "تنسنت" العديد من المنصات والتطبيقات المشهورة في الصين وحول العالم، وهي تجني من ذلك أرباحاً طائلة. بينها، تطبيق "وي تشات" الرائج في الصين، وألعاب "أونر أوف كينغز" و"كول أوف ديوتي أونلاين" و"ليغ أوف ليجيندز"، فيما تملك جزئياً أيضاً ألعاباً أخرى بينها "فورتنايت"، وهي الشركة التي تطوّر لعبة "بابجي" بنسختها الصينية وللهواتف. وتشمل استثماراتها مجال الألعاب في دول عديدة، كما مجالات السينما والموسيقى والتلفزيون وغيرها داخل الصين.

وتمنع التشريعات المرعية الإجراء في الصين رسمياً، من تقل أعمارهم عن 18 عاماً، من استخدام ألعاب الفيديو عبر الإنترنت بين الساعة العاشرة مساءً والثامنة صباحاً، وهو إجراء يهدف إلى الحدّ من الإدمان ومشاكل النظر لدى الصغار.
في يوليو/تموز الماضي، أعلنت "تنسنت" عن الدوريات الليلية للحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال لممارسة ألعابها، حيث بات على أي شخص يلعب بعد العاشرة مساءً بحساب لأحد البالغين أن يخضع لاختبار التعرف على الوجه. وكانت منظمة صينية لحماية الأطفال قد رفعت دعوى قضائية على "تنسنت"، في يونيو/ حزيران، واتهمتها بجعل القاصرين "مدمنين"، وبعدم التحقق بجدية من عمر المستخدمين ووقت اللعب.

في يوليو/تموز الماضي، أعلنت "تنسنت" عن الدوريات الليلية للحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال لممارسة ألعابها، حيث بات على أي شخص يلعب بعد العاشرة مساءً بحساب لأحد البالغين أن يخضع لاختبار التعرف على الوجه

لكنّ ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو، إذ نقلت وكالة "رويترز" في الثالث من الشهر الجاري عن شركة "تنسنت" أنّها ستدخل إجراءات جديدة لتقليل وصول القاصرين إلى لعبة "أونر أوف كينغز" والوقت الذي يقضونه في لعبتها، وهي خطوة تخطط لتطبيقها في نهاية المطاف على تشكيلة ألعابها الكاملة. كما وعدت "تنسنت" بـ "تقديم المزيد من الخير الاجتماعي" من خلال منتجاتها. 

وفي الثامن من أغسطس/آب الجاري، نقل موقع "ذا فيرج" أنّ المدعين في بكين رفعوا دعوى قضائية ضد شركة "تنسنت"، بدعوى أن "وضع الشباب" على تطبيق "وي تشات" الخاص بها يتعارض مع قوانين حماية القاصرين. ونسخة "الشباب" في التطبيق تقيّد وصول المستخدمين الأصغر سنًا إلى وظائف متعددة مثل المدفوعات عبر الهاتف المحمول، بالإضافة إلى بعض الألعاب.

بين هيمنة الدولة والاشتراكية
حول التطورات الأخيرة ومخاوف المستثمرين، قال أستاذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السابق في معهد التعليم العالي والتكنولوجي في هونغ كونغ، دانغ لو، إن ما جاء في المقالة التي نشرت بصحيفة حكومية، تأتي في إطار توجيهات الحزب الشيوعي وضمن حملة منظمة تستهدف القطاع الخاص بذرائع واهية، منها: مكافحة الاحتكار وحماية أمن المستخدمين.
وأضاف متحدثاً لـ"العربي الجديد": "منذ وصول الرئيس شي جين بينغ، إلى السلطة عام 2013، سعى إلى كبح نفوذ عمالقة التكنولوجيا على اعتبار أنها تمثل تهديداً لسلطة الدولة والحزب، كونها تسيطر على المعلومات. وقد استخدم في سبيل تحقيق غايته شعارات تدغدع الرأي العام، مثل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وتفكيك مراكز القوى والنفوذ والمصالح الخاصة".

الحملة التي طاولت شركات التكنولوجيا وكذلك قطاع التعليم الخاص، تأتي استجابة لرغبة الرئيس الصيني شي جين بينغ، في تعزيز قيم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عند الشباب، وحثهم على تعلم الماركسية اللينينية باعتبارها منهجاً للحزب الشيوعي الصيني

من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي مارك لام، أن "الحملة التي طاولت شركات التكنولوجيا وكذلك قطاع التعليم الخاص، تأتي استجابة لرغبة الرئيس الصيني شي جين بينغ، في تعزيز قيم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عند الشباب، وحثهم على تعلم الماركسية اللينينية باعتبارها منهجاً للحزب الشيوعي الصيني". وقال في حديثه لـ"العربي الجديد": "لطالما كان هناك قلق لدى المسؤولين الصينيين من تأثير الألعاب الإلكترونية على جهود تعبئة الشباب وتهيئتهم للاصطفاف خلف قيادة الحزب لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد البلاد".

ولفت إلى أن مظاهر الرأسمالية التي بدأت تبرز داخل المجتمع الصيني من خلال سلوكيات الشباب وتأثرهم بالنجوم والمشاهير والتقليد الأعمى للعادات الغريبة والثقافة الغربية، دقت ناقوس الخطر، لذلك رافقت إجراءات التضييق على شركات ألعاب الفيديو، حملة أخرى طاولت بعض الفنانين الصينيين، مثل فان بينغ بينغ، وكريس وو، الذي اعتقل قبل أيام للاشتباه بارتكابه جرائم اغتصاب.

أرباح وإجراءات
ليست الإجراءات التي تتخذها السلطات ضد شركات التكنولوجيا العملاقة في الصين جديدة، فقد تعرّض قطاع ألعاب الفيديو في البلاد لمضايقات حكوميّة متكرّرة، بدأت عام 2014، حين حمّلت مديرية التعليم تدني مستوى التلاميذ في المرحلتين الابتدائية والإعدادية للقائمين على برامج ألعاب الفيديو، وحثت الحكومة آنذاك على حظر تلك البرامج.

وفي عام 2017، سعت الهيئات التنظيمية الصينية إلى الحد من الوقت الذي يقضيه القصَّر في ممارسة ألعاب الفيديو، من خلال دفع الشركات المتخصصة إلى فرض ضوابط محددة تحول دون ممارسة اللعبة لساعات طويلة ومتواصلة.

وكان الإجراء الأبرز عام 2018، حين علقت السلطات الصينية تراخيص ألعاب الفيديو، الأمر الذي كبد شركة "تنسنت" خسائر قدرت بأكثر من مليار دولار.

وفي عام 2019، فرضت هيئة مراقبة الألعاب في الصين قيوداً تمنع من هم دون 12 عاماً من شراء ألعاب الفيديو عبر المتاجر الإلكترونية، كما علقت تراخيص بعض الشركات التي تجاوزت الاشتراطات الحكومية.

تترصد السلطات الشركات التكنولوجية الصينية، إذ أطلقت حملة واسعة لبسط سيطرتها على مجموعات التكنولوجيا المعلاقة التي يتعاظم نفوذها في البلاد

يشار إلى أن عائدات ألعاب الفيديو في الصين ارتفعت بنسبة 20.7 في المائة خلال العام الماضي، محققة إيرادات بلغت 278.7 مليار يوان (43 مليار دولار أميركي). وحسب إحصاءات صادرة عن الجمعية الصينية للمرئيات الصوتية المدعومة من الحكومة، بلغ عدد مستخدمي ألعاب الفيديو في البلاد خلال العام الماضي 665 مليوناً، محققاً زيادة بنسبة 3.7 في المائة مقارنة بالعام السابق. بينما كانت شركة "تنسنت" لألعاب الفيديو التي تعتبر أكبر شركة  في العالم لناحية الإيرادات، قد أعلنت في شهر مارس/ آذار الماضي، أنّ إجمالي إيراداتها من الألعاب عبر الإنترنت وصل العام الماضي إلى 156.1 مليار يوان أي ما يعادل 23.79 مليار دولار أميركي.

وتترصد السلطات الشركات التكنولوجية الصينية، إذ أطلقت حملة واسعة لبسط سيطرتها على مجموعات التكنولوجيا المعلاقة التي يتعاظم نفوذها في البلاد. وفرضت الهيئة الناظمة على "علي بابا" غرامة قدرها 2.78 مليار دولار في إبريل/نيسان الماضي على خلفية ممارسات اعتُبرت استغلالا لهيمنتها على السوق.

وفي يوليو/تموز الماضي، أمرت إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين متاجر التطبيقات بإزالة تطبيق شركة "ديدي" لخدمات النقل، بدعوى أن الشركة تجمع البيانات الشخصية للمستخدمين.

وتقوم السلطات بحملة على قطاع التعليم، يصل صداها إلى شركات الإنترنت أيضاً. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت شركة "بايتدانس" (التي تطوّر تطبيق تيك توك) تبني نشاطًا تجاريًا تعليميًا عبر الإنترنت بقوة من خلال فورة التوظيف والاستحواذ جزئيًا لتنويع أعمال الفيديو القائمة على الإعلانات، لكن يبدو أن خطتها ضربتها الفوضى، إذ نقل موقع "تك كرانتش" أنّها تخطط لتسريح الموظفين في قسم التعليم بعد الحملة الأخيرة.

المساهمون