بينالي البندقية: فلسطين حاضرة كما لم يحدث من قبل

بينالي البندقية: فلسطين حاضرة كما لم يحدث من قبل

03 مايو 2024
معتصمان أمام الجناح الإسرائيلي في بينالي البندقية، إبريل 2024 (ستيفانو مازولا/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في بينالي البندقية، تم تنظيم معرض يضم أعمال 25 فنانًا فلسطينيًا بإشراف متحف فلسطين في الولايات المتحدة، رغم محاولات الإسكات، مما يعكس الإصرار على إبراز الفن الفلسطيني وقضاياه.
- المعارض الفلسطينية، بما في ذلك تكريم الفنانة سامية الحلبي وعرض "فنانون وحلفاء الخليل"، تبرز الفن كوسيلة للتعبير عن المقاومة والتضامن، وتقدم رؤى حول النضال الفلسطيني وأهمية الهوية.
- الدعم الدولي للقضية الفلسطينية تجلى في مشاركات فنانين من البيرو والمكسيك، مع رسائل تضامنية في أعمالهم، والجدل حول المشاركة الإسرائيلية ودعوات لمقاطعتها يعكس الصراع الثقافي والسياسي.

منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كان هناك جهد متضافر ومستمرّ يهدف إلى إسكات الأصوات الفلسطينية، أو التعتيم على الفنانين المُتضامنين مع فلسطين. ولم يكن بينالي البندقية بعيداً عن هذه السياسة الإقصائية والمتحيزة؛ الحضور الفلسطيني كان مهدداً بالاستبعاد خلال الترتيبات الأخيرة التي سبقت افتتاحه. وبعد جهود مضنية، وافقت إدارة بينالي البندقية على تنظيم معرض لأعمال الفنانين الفلسطينيين، يشرف عليه متحف فلسطين في الولايات المتحدة الأميركية.

يضم المعرض أعمالاً لـ25 من الفنانين الفلسطينيين، بينهم الفنانة سامية الحلبي التي حظيت بجائزة شرفية خاصة. كان لفلسطين حضور أيضاً في عرض آخر قدمته مجموعة "فنانون وحلفاء الخليل" التي أسسها الناشط الفلسطيني عيسى عمرو وهو من سكان الخليل، وآدم برومبرغ، وهو مصور فوتوغرافي من جنوب أفريقيا مقيم في برلين. يسلط المعرض الذي يعتمد على الصورة الفوتوغرافية الضوء على السياسات الإسرائيلية الممنهجة لتجريف الأراضي الفلسطينية وتغيير معالمها، ويخص في ذلك أشجار الزيتون برمزيتها ومكانتها في الموروث الفلسطيني.

لا يقتصر الحضور الفلسطيني على هذين المعرضين فقط؛ فالمُتابع للبينالي، سيدرك أن فلسطين حاضرة هذا العام، كما لم يحدث في أي من الدورات السابقة، في البيانات والأنشطة والتظاهرات التي تعمّ البندقية منذ افتتاح البينالي، وحاضرة في الأعلام والشارات المرفوعة في أرجائه.

كانت فلسطين حاضرة كذلك في أعمال فنانين آخرين اختاروا الإعلان عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، عبر إشارات ورسائل صريحة في أعمالهم. بين هؤلاء، تبرز الفنانة البيروفية ساندرا غامارا، الممثلة لجناح إسبانيا؛ إذ أضافت اسم فلسطين إلى عملها التركيبي الموزع على خمس مساحات داخل الجناح. في عمل الفنانة الإسبانية، تظهر صور لمهاجرين مرسومة على ألواح شفافة مثبتة على قواعد صلبة منتشرة حول غرفة مشرقة. حولت الفنانة هذه الغرفة إلى متحف على الطراز الغربي، ولكن بدلاً من عرض الفن الغربي، تقدم الفنانة نماذج لفنون المهاجرين، إلى جانب روايات موثقة عن مآسي الهجرة والاستعمار. تنحدر غامارا من عائلة هاجرت من أميركا الجنوبية إلى إسبانيا في تسعينيات القرن الماضي، وهي المرة الأولى التي تمثل فيها فنانة ليست إسبانية المولد الجناح الإسباني.

من الفنانين الآخرين الذين تضمّنت أعمالهم رسائل إلى فلسطين الفنانة دانييلا أورتيز الممثلة لجناح دولة البيرو. العمل الذي تعرضه أورتيز عبارة عن شريط فيديو لمسرح العرائس، تحت عنوان "سطوع أوروبا الجشعة". في الفيديو الذي تقدّمه الفنانة البيروفية يظهر علم فلسطيني صغير في زاوية الشاشة، مكتوب عليه "قاطعو الجناح الإسرائيلي.. فلسطين حرة". تقول الفنانة إن مشاركتها متواضعة للغاية، غير أن أهم ما فيها كان وضع العلم الفلسطيني، والدعوة إلى مقاطعة الجناح الإسرائيلي، وكل شيء آخر يبدو ثانوياً بالنسبة لها. تضيف الفنانة أن الدعوة إلى تحرير فلسطين يجب أن تكون أولوية مطلقة في أي عمل فني، أو قرار سياسي وثقافي، أو مساحة عمل.

يحكي عرض العرائس الذي تقدمه الفنانة قصة رجل فقير يتعرض إلى اضطهاد، يمارسه رئيس عمله في إحدى شركات التعدين في البيرو. نتيجة لذلك، يقرر الرجل الهجرة إلى أوروبا، التي يراها بقعة مضيئة في عالم مظلم. اعتقد الرجل أنه يستطيع هناك أن ينعم بالرخاء، لكنه بدلاً من ذلك يواجه بالعنصرية المؤسسية والاستغلال.

رسائل تضامنية أخرى إلى الشعب الفلسطيني، يتضمنها عمل الفنانة المكسيكية فريدا تورانزو، المعروض في بينالي البندقية تحت عنوان "الغضب آلة في زمن اللامعنى". في عمل تورانزو، يتكرر ظهور ثمار البطيخ، وهي رمز للتضامن مع الشعب الفلسطيني. غير أن الفنانة لا تكتفي بهذه الإشارة غير المُباشرة فقط، إذ تضيف إلى هذه الرسومات نقشاً واضحاً لعبارة "تحيا فلسطين" (VIVA PALESTINA) على إحدى هذه الثمار. تقول الفنانة في تعليقها على العمل: "هي رسالة واضحة ضد الاستعمار والنضال من أجل مستقبل أفضل للبشرية... مستقبل خال من العنصرية والإبادة الجماعية".

وكانت المشاركة الإسرائيلية في بينالي البندقية محوراً للعديد من السجالات والبيانات الداعمة لفلسطين. ففي فبراير/شباط الماضي، أصدر "تحالف الفن وليس الإبادة الجماعية" رسالة مفتوحة تطالب باستبعاد إسرائيل من المشاركة في بينالي البندقية. جمعت هذه الرسالة أكثر من 24 ألف توقيع، غير أن وزير الثقافة الإيطالي جينارو سانجيوليانو استبعد إمكانية منع إسرائيل من المشاركة. وقد أثار هذا القرار اعتراض الناشطين الذين اتخذوا من الجناح الإسرائيلي المغلق جزئياً نقطة انطلاق لمسيراتهم الداعمة لفلسطين.

قرر فريق العمل المسؤول عن الجناح الإسرائيلي إغلاقه حتى يجري وقف إطلاق النار و"تحرير الرهائن". وهو سلوك وصفه بعضهم بالدعائي والانتهازي، فالقائمون على الجناح لم يشجبوا الحرب، ولم يعترفوا بحق الفلسطينيين في التحرر، بل يتبنون الأسباب والمبررات نفسها التي يُعلنها النظام الإسرائيلي لهذه الجريمة.

في بيانه، وصف "تحالف الفن وليس الإبادة الجماعية" الإجراء الذي اتخذه القائمون على الجناح الإسرائيلي بأنه سلوك انتهازي، يهدف إلى الحصول على أقصى قدر من التغطية الصحافية. وأشار إلى أن القائمين على الجناح الإسرائيلي أعلنوا إغلاقه، لكنهم تركوا أعمال الفيديو معروضة أمام الجمهور، ويمكن رؤيتها من خلال الزجاج.

المساهمون