الصحافيون في الصومال: خيار السجن أو الموت

الصحافيون في الصومال: خيار السجن أو الموت

18 ديسمبر 2021
خلال مراسم دفن الصحافي عبد العزيز جوليد (فرانس برس)
+ الخط -

أثار مقتل الصحافي الصومالي البارز عبد العزيز جوليد "أفريكا"، مدير راديو مقديشو الحكومي، في تفجير نفذه انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً استهدف سيارته في الـ21 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في العاصمة مقديشو، موجةً من التساؤلات حول الحريات الصحافية في الصومال التي تعد واحدة من أخطر الدول التي يعمل فيها الإعلاميون في العالم.

إذ يمرح الجناة من دون عقاب، بينما يستمر مسلسل استهداف الصحافيين في الصومال، سواء من قبل الحكومات المحلية وحركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، فضلاً عن المضايقات التي يتعرضون لها أثناء ممارسة مهنة الصحافة.

ويشير أحدث تقرير لنقابة الصحافيين الصوماليين إلى أنّ الصومال شهد بين عامي 2017 و2021 مقتل 12 صحافياً في عموم البلاد، وأن من بينهم صحافياً يدعى عبد الرزاق قاسم (19 عاماً) اغتيل بيد ضابط شرطة لم توجَّه إليه حتى الآن تهمة قتل وما زال حراً طليقاً ويزاول عمله في جهاز الشرطة الصومالي ويتلقى رواتب من الحكومة.

كما أنّ التعهدات التي تطلقها أجهزة الشرطة الصومالية والمسؤولون الحكوميون لحماية الصحافيين من الاعتداءات لم تعد ذات قيمة، حيث يعمل الصحافيون في بيئة خطرة، من دون وجود قوة رادعة توقف الانتهاكات التي تطاولهم.

الصومال شهد بين عامي 2017 و2021 مقتل 12 صحافياً

يقول نقيب الصحافيين الصوماليين عبد الله مومن الذي أعد التقرير السنوي، وعنوانه "أوقفوا العنف ضد الصحافيين" لعام 2021، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار الاعتداءات ضد الصحافيين في البلاد، وإفلات الجناة من العقاب، يعكسان خطورة العمل الصحافي في البلاد"، مضيفاً أنّ "وسائل الإعلام المحلية دوماً تغطي الخلافات السياسية في البلاد، وجوانب مخفية عن الفساد وقضايا حقوق الإنسان، والتحديات الأمنية التي تعيشها البلاد، وهذا ما يؤدي أحياناً إلى استهداف الصحافيين بخصوص تغطياتهم الصحافية من قبل أطراف مجهولة أحياناً لا تعجبها تغطياتهم الصحافية وتحرياتهم الإعلامية".

ويشير مومن إلى أنّ عدم تنفيذ الحكومة الصومالية التزاماتها بحق ملاحقة ومعاقبة الجناة أمر خطير للغاية بحق مهنة الصحافة في البلاد. ويوضح أنه في العامين الأخيرين قتل 4 صحافيين في أنحاء متفرقة من البلاد، لكن عام 2020 تميز بجملة اعتقالات طاولت الصحافيين على نحو غير مسبوق.

كما أن التعتيم الإعلامي ومنع الصحافيين من الحصول على المعلومات حول الانتخابات النيابية يمثلان عقبة كبيرة أمام الصحافيين لأداء مهامهم الصحافية، وهذا يعكس أن الانتخابات النيابية لا تحظى بالقدر الكافي من الشفافية والنزاهة. كما أن الصحافيين لا يستطيعون تغطية شكاوى بعض القبائل والمرشحين لعضوية مجلس النواب بشأن الفساد في عملية انتخاب بعض المقاعد في البلاد.

ويضيف عبد الله مومن أن "تغطية أخبار كوفيد-19 كانت تشكل أيضاً عبئاً بالنسبة للصحافيين عام 2020، إذ اعتقل البعض منهم في العاصمة مقديشو، بينما تلقى آخرون تهديدات بالسجن، ما دفع صحافيين إلى حذف منشوراتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا جزءٌ من كبت الحريات الإعلامية، وانتهاك سافر لحقوق الإنسان في البلاد".

وحول الأسباب وراء استهداف الصحافيين، يقول إن "الكثير منهم ليسوا مؤهلين لممارسة مهنة الإعلام، لكن هذا لا يمكن أن يكون مبرراً لاستهداف الصحافيين من قبل الحكومات المحلية، سجناً أو اغتيالاً، كما أن الحدَّ من أخطاء الصحافيين يمكن تجاوزه عبر توفير الدورات والتدريبات".

وحول أسباب إفلات الجناة على الصحافيين من العقاب، يشير إلى أن "قتلة الإعلاميين أو المعتدين عليهم، أغلبهم مسلحون ولديهم سلطة أو نفوذ في الحكومات المحلية أو أعضاء في حركة الشباب، كما لا يوجد قضاء عادل في البلاد لملاحقة الجناة ومحاكمتهم، هذا إلى جانب غياب شهود عيان من ذوي الضحايا الصحافيين أمام المحاكم العدلية، خوفاً على حياتهم، وهذا ما يفشل جهود الحد من إفلات الجناة من العقاب".

تقارير عربية
التحديثات الحية

شهدت ولاية بونتلاند هذا العام مقتل صحافي في مدينة جالكعيو، يدعى جمال فارح، على يد عناصر من حركة "الشباب"، إلى جانب اعتقال عدد من الصحافيين، وتهديد آخرين بالسجن أو الملاحقة القضائية، بينما سجلت العاصمة مقديشو جملةً من الانتهاكات بحق الصحافيين.

وفي السياق، يقول محمد فانتستيك، وهو مدير إذاعة محلية اعتقل لمدة ستة أيام في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في مدينة قرطو في إقليم بونتلاند، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "السلطات الأمنية لم تبلغه أسباب اعتقاله، سوى أنه أجرى برنامجاً صحافياً يناقش القضايا الأسبوعية في بونتلاند، وأن عدداً من المشاركين أبدوا آراءهم وامتعاضهم حول مرسوم جديد أصدره رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني".

بدورها، تقول الصحافية حبيبة لدن التي تعمل في مدينة قرطو في إقليم بونتلاند، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّه "منذ العامين الأخيرين تبدلت أحوال الصحافيين في مدينة قرطو، حيث يواجه الصحافيون مضايقات عدة وانتهاكات تصل أحياناً إلى السجن والتهديدات المفرطة، من خلال اتصالات هاتفية لا تنتهي، وخاصة من قبل الأجهزة الأمنية، كما أن حرية الحصول على المعلومات المتعلقة بالسلك الحكومي أصبحت معدومة حالياً".

وتشير حبيبة لدن إلى أن السلطات الأمنية اعتقلت صحافيين في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لمدة ستة أيام، من دون توجيه إدانة من المحكمة، وأطلق سراحهم لاحقاً، بعد ظهورهم في المحكمة، ووجهت لهم أوامر بعدم تغطية الأخبار التي تعارض سياسات الولاية الفيدرالية، كما أخبروا أنهم تحت المراقبة لمدة ستة أشهر، وتم تبرير اعتقالهم بأنّه بناءً على تغطياتهم المثيرة للرأي العام المحلي.

وبحسب منشور في صفحات موقع "فيسبوك"، تلقّت الصحافية لدن مكالمة هاتفية من ضابط الشرطة في مدينة قرطو عمر هيراد، ودار بينهما نقاش طويل، تحول إلى تهديدات من قبل ضابط الشرطة، أعقب ذلك ملاحقتها في مقر عملها من قبل الشرطة المحلية، إلا أنها لم تكن هناك، وهو ما تحول إلى قضية عائلية تدخل فيها النائب العام في المدينة، واطلع أهالي الصحافية على بيان اتهامها من قبل الشرطة بإثارة الشغب وخلق بلبلة في الرأي العام، من خلال جمع سيدات وتسجيل أصواتهن، إلى جانب تغطية أخبار اعتقال صحافيين في المدينة أخيراً.

وتشير في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى إن النائب العام خيّرها بين أمرين، إما توكيل محام أو الدفاع عن نفسها وحق الرَّد على التهم الموجهة إليها، وهي فضلت توكيل محام، وانتهت قضيتها أخيراً بتدخل من النائب العام، لإنهاء القضية بعد عدم ثبوت التهم التي وجهت إليها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بين سجن الصحافيين وتهديدهم، وحتى قتلهم، تتراوح الأخبار حول ما يحصل مع العاملين في إقليم بونتلاند. لكنّ وزير الدولة في وزارة الإعلام والثقافة في حكومة بونتلاند، عبد الفتاح أشكر، يلقي اللائمة على الصحافيين أنفسهم. ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، رداً على التهم الموجهة لنظام بونتلاند بممارسة انتهاكات بحق الصحافيين، إنّ "حرية الإعلام في بونتلاند تندرج ضمن الحريات الممنوحة للصحافيين في الصومال على نحو عام"، مضيفاً أن "هناك نقص حاد في الكوادر الصحافية المؤهلة والمدربة لممارسة مهنة الإعلام في المنطقة، وهذا ما يؤدي أحياناً إلى وقوع الصحافيين في أخطاء صحافية جسيمة، حيث يمارس بعضهم هتك الأعراض، وخلق فزاعة أمنية"، على حد قوله.

وعن الأسباب التي تؤدي أحياناً إلى الأخطاء المهنية التي يرتكبها الصحافيون في بونتلاند، يشير أشكر إلى أنّ "هناك أسباباً عدة، منها عدم معرفتهم بالقوانين الصحافية المعمول بها في البلاد، وصغر سنهم وقلة الخبرة"، مشيراً إلى أنّ "هناك لجان صحافية في بونتلاند شُكلت من أجل خدمة الصحافيين في المنطقة"، معتبراً أنّ "التهم بتضييق الحريات الإعلامية التي توجه لنظام بونتلاند لا أساس لها من الصحة". ويضيف أنّ "الأخطاء التي يرتكبها الصحافيون هي التي تستوجب أحياناً وقف هذه المغالطات الصحافية، وذلك حفاظاً على النظام العام في المنطقة التي تشهد تطوراً تدريجياً منذ السنوات الأخيرة"، معتبراً أن "الصحافيين بحاجة إلى رفع مستواهم التعليمي والمهني، والعقبة الأولى تتمثل في غياب البعد الأكاديمي للصحافيين، ما يؤدي إلى الوقوع في فخ الأخطاء باستمرار".

ووفق تقديرات نقابة الصحافيين في الصومال، فإن نحو 70 صحافياً صومالياً قتلوا منذ الحرب الأهلية في البلاد عام 1994، إذ يواجه العديد منهم مشاكل كثيرة في أداء مهامهم، بينما بات الحصول على معلومات غير مجزأة وموضوعية من الرئاسة الصومالية والحكومة الفيدرالية صعباً للغاية. إذ يتم تقديم معلومات جاهزة مسبقاً، من دون إمكانية الوصول إلى المسؤولين على عكس ما كانت الأمور قبل سنوات، ما يمثل جانباً من التعتيم الصحافي في البلاد، فضلاً عن الظروف الأمنية التي تعيش فيها البلاد، والتي دفعت المئات من الصحافيين إلى الهجرة خوفاً على حياتهم أو بحثاً عن حياة أفضل في الدول الإقليمية والأوروبية.

 

المساهمون