الإعلام التونسي: عتمة تلي عقداً من الضوء

الإعلام التونسي: عتمة تلي عقداً من الضوء

29 أكتوبر 2021
من احتجاج ضد قمع الصحافة في تونس منتصف الشهر الحالي (ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -

تتوالى عمليّات استهداف الإعلام في تونس، وآخرها عمليّات قطع البث عن وسائل إعلام، وتهديد أخرى بالمصير نفسه، تحت مسوّغ قانوني، وهو تنفيذ لقرارات صادرة عن "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي" (الهايكا) منذ سنوات. يوم الأربعاء الماضي، قطعت السلطات التونسية بث قناة "نسمة" الخاصة وإذاعة "القرآن الكريم"، لكنّ التوقيت والتبعات المنتظرة له كان مدار جدل بين الفاعلين في الحقل الإعلامي والسياسي التونسي.

مردّ الجدل أن هذه القرارات صادرة منذ سنوات، لكن تفعيلها الآن يدخل في إطار تصفية حسابات سياسية وتضييق على حرية الإعلام. إذ أكد المدير العام لقناة "نسمة"، زياد الريبة، في مؤتمر صحافي عقده مساء الأربعاء في تونس، أن "إدارة القناة تمتلك ترخيصاً مسندًا من قبل السلطات التونسية منذ إطلاق القناة قبل 2011، ولكن مع ذلك حاولت بكل الطرق إيجاد تسوية قانونية مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، لكنها لم تجد التجاوب المطلوب".

وقال رئيس "الحزب الجمهوري" في تونس، عصام الشابي، "قد نجد من التبريرات ما لا يحصى و لا يعد، ولكن لا يمكن أن نغفل عن الوضعية التي انتهى إليها المشهد الإعلامي المرئي في تونس عشر سنوات بعد ثورة الحرية والكرامة. مشهد بدأت تتقلص فيه مساحة الرأي والرأي الأخر إلى الحد الأدنى إثر قرار إداري للتلفزة الوطنية (التلفزيون الرسمي) بعدم تناول الشأن السياسي بعد 25 جويلية (يوليو/تموز)، وتخلي قنوات الحوار التونسي وقرطاج وتونسنا (تلقائياً) عن برمجة المنابر الحوارية التي أثثت بها شبكة برامجها طيلة السنوات الماضية، وصولاً إلى غلق قنوات الزيتونة ونسمة وتهديد قناة حنبعل بأن تلقى نفس المصير... حتى أن قناة التاسعة أصبحت تشكل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة". وأضاف: "تعديل المشهد الإعلامي لضمان التعدد والتوازن ضروري ومطلوب، ولكن في كل الأحوال ليس مقبولاً أن ينتهي بنا (تطبيق) القانون إلى العودة بالإعلام إلى البث باللونين الأبيض والأسود كما كان الحال سابقاً، المطلوب تنظيم التعدد لا إلغاؤه".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما نقيب الصحافيين التونسيين مهدي الجلاصي فاعتبر أن قرارات الغلق مبررة قانونياً لكنها عملياً تضر بمصلحة الصحافيين والتقنيين العاملين في هذه المؤسسات الإعلامية، فكتب: "حول قرارات الغلق: هي تلفزات وإذاعات صادرة في حقها قرارات إيقاف بث وحجز معدات من قبل منذ أكثر من خمس سنوات. الحكومات المتعاقبة وأحزمتها السياسية كانت تحمي هذه المؤسسات وتوفر لها الحصانة والإفلات من العقاب وتشجعها على تحدي سلطة الدولة وخرق القانون. السؤال الأصح هو لماذا تعمدت الحكومات السابقة عدم تطبيق القرارات التي تصدرها هيئات رسمية في الدولة وليس لماذا تم تطبيق هذه القرارات الآن... بل أكثر من ذلك، يجب محاسبة كل من شجع على خرق القانون والاستهتار بسلطة الدولة." وأضاف: "الحل في غلق القنوات!؟ قطعاً لا وذلك لضمان أكثر تنوع في المشهد الإعلامي وضمان مواطن شغل الصحافيين والتقنيين وكل العاملين فيها. المطلوب فورا من القائمين على هذه المؤسسات إصلاح أوضاعها والاستجابة للشروط القانونية المحددة لإنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعية والعودة إلى النشاط بضمانات قانونية لا بضمانات حماية حزبية وسياسية". وهو رأي عارضه الكثير من الإعلاميين الذين أبدوا تضامنهم مع العاملين في قناة نسمة، معتبرين أن هؤلاء ضحايا لتصفية حسابات سياسية لا دخل لهم فيها.

في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، اقتحمت قوات من الأمن التونسي مقرّ "قناة الزيتونة" التلفزيونية الخاصة في تونس، وشرعت في إتلاف المعدات، مصحوبة بأعضاء من "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، من دون تقديم تفاصيل أكثر حينها.

وبينما اعتبرت العملية تنفيذاً أيضاً لقرارات "الهايكا" سابقاً، لكنّ رئيس تحرير "قناة الزيتونة" لطفي التواتي رأى أنّ القرار سياسي، قائلاً لوكالة "رويترز" حينها إنّ "القرار هو معاقبة لـ(الزيتونة) على مواقفها الأخيرة من قرارات الرئيس... السلطات حرّكت الهيئة بسبب معارضتها للرئيس".

وقبل الاقتحام ذاك، أصدرت 19 جمعية ناشطة في المجتمع المدني، منها "الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية" وجمعية "الشارع فن"، بياناً طالبت فيه بغلق قناتي "نسمة تي في" و"حنبعل تي في" وإذاعة "القرآن الكريم"، بعد حجز معدات قناة "الزيتونة"، وهي دعوة أثارت استغراب العاملين في القطاع الإعلامي والناشطين في مجال حقوق الإنسان، لأنه لأول مرة تصدر في تونس جمعيات ناشطة في مجال حقوق الإنسان وحماية الأقليات والتعددية الثقافية بياناً يدعو إلى غلق مؤسسات إعلامية، واعتبروه مؤشراً على ضرب كل صوت مخالف للرئيس التونسي قيس سعيد وأنصاره تحت مسمى تطبيق القانون.

وأثار إغلاق "الزيتونة" استنكاراً أميركياً حينها، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: "نشعر بالقلق وخيبة الأمل حيال التقارير الأخيرة من تونس حول التعدّيات على حرية الصحافة والتعبير". ودعا برايس الحكومة التونسية إلى "المحافظة على التزاماتها باحترام حقوق الإنسان كما نصّ عليها الدستور التونسي" ومرسوم أصدره الرئيس قيس سعيّد في سبتمبر/أيلول. وأضاف: "نحضّ أيضاً الرئيس التونسي ورئيسة الوزراء الجديدة على الاستجابة لدعوة الشعب التونسي، لوضع خارطة طريق واضحة، للعودة إلى عملية ديمقراطية شفّافة ينخرط فيها المجتمع المدني والأصوات السياسية المتنوّعة"، وفق ما نقلته وكالة "فرانس برس".

يُذكر أنّ السلطات التونسية كانت قد أغلقت مكتب قناة "الجزيرة" في تونس بعيد إعلان الرئيس قيس سعيد قراراته، في يوليو/تموز الماضي.

المساهمون