زيارات إلى كوكب الشرق

زيارات إلى كوكب الشرق

02 يوليو 2018
أدّى أغنيات أم كلثوم في جلسات خاصة (فرانس بريس)
+ الخط -
في عام 1962، التقى الشيخ إمام بـأحمد فؤاد نجم للمرة الأولى. لكن، قبل هذا اللقاء الذي ذهب بالشيخ إمام إلى الغناء الملتزم والوطني والثوري والمعارض في أغلب الأحيان، هناك شيخ إمام آخر، يُشبه كثيراً الشيخ إمام الذي نراه جالساً مسلطناً ويغنّي أم كلثوم

حين كان صاحب "وهبت عمري للأمل" في السابعة عشرة من عمره، التفت إليه الشيخ درويش الحريري، أستاذ الموشحات والمقامات، بل أستاذ زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب وسيد درويش. تعلّم إمام منه أصول المقامات والإيقاعات الشرقية، من خلال غناء الموشحات والأدوار من دون آلة موسيقية، إذ لم يكن الشيخ درويش يتقن العزف على أية آلة، إضافة إلى كونه ضريراً أيضاً، الأمر الذي جعل الشيخ إمام يعتقد أن تعلّم العزف على العود حكر على المُبصرين.

راح الشيخ يغنّي ما تعلّمه من موشحات وأدوار في المناسبات، مستعيناً بعازفي عود كان يعلّمهم اللوازم الموسيقية عبر غنائها لهم، إلى أن صادف ضريراً يغني ويعزف العود، الأمر الذي أثار فرحته؛ فطلب من كامل الحمصاني، أحد عازفي العود الذين كانوا يرافقونه، أن يعلّمه مواضع الأصابع والنغم على آلة العود، وكان في العشرين من عمره حين عكف على دراسة الآلة وترجمة كل ما يعرف ويحفظ من مقامات وموشحات وأدوار على آلته بنفسه.

تعرّف الشيخ إمام إلى زكريا أحمد في إحدى الجلسات، لتبدأ بينهما علاقة وثيقة. أُعجب أحمد بأداء إمام وبمساحاته الصوتية في القرار والجواب وذاكرته القوية، فصار يسمع أغانيه التي يلحنها لأم كلثوم بصوت إمام، يسترجع ما نسيَه، ويستكشف مواطن الضعف في اللحن قبل عرضه على الست، إلا أن إمام كان يسرّب هذه الألحان في مجالسه مفاخراً، حتى وصل الأمر لأم كلثوم، ما أثار غضبها وغضب أحمد، فكانت نهاية العلاقة بينهما.

لكن علاقة الشيخ إمام بألحان زكريا أحمد لم تنتهِ؛ فإلى جانب تأثّر إمام بزكريا أصلاً في ألحانه، ها نحن نعثر على تسجيلات كثيرة للشيخ إمام يؤدي فيها أغاني لأم كلثوم، مثل "الآهات" و"أنا في انتظارك" و"هو صحيح الهوى غلاب" و"قل لي ولا تخبيش يا زين". الأغاني، كلها، من كلمات بيرم التونسي، وألحان الشيخ زكريا أحمد.



حين نستمع إلى هذه التسجيلات، لا نجد في صوت الشيخ إمام أو أدائه لها ما هو مميز، بل ربما هو يقلد الشيخ زكريا أحمد، لكن يبقى لإمام أجواؤه الخاصة والمميزة؛ فهو أدّى هذه الأغنيات في جلسات خاصة مع أصدقاء، وليس لجمهور عام في حفل. جلسات حميمة يُسلطن فيها الشيخ ويحمل عوده ويذهب إلى "الآهات" محاولاً مجاراة الست. في أحد الفيديوهات، الشيخ إمام يستمع إلى الست على الإذاعة ويغني معها. كان يحاول أن يجاريها في الآهات التي كانت تُطلقها، في أغنية "عادت ليالي الهنا"، لكنه لم يستطع، وكانت تؤديها بطبقة حادة ونفسٍ طويل. راح يصرخ لها: "يا وليّة!".

إذن خسر إمام عمله مع الشيخ زكريا أحمد بسبب أم كلثوم، لكنه بقي يستمع إليها، ويؤدي أغانيها التي طالما أدّى بعضها على المقهى مع أصدقائه مفاخراً قبل أن ينكشف أمره.
ربما، إذا استمعنا إلى أول أغنية جمعت إمام ونجم؛ فهي "أنا توب عن حبك". أغنية عاطفية أيضاً، كأنها جاءت امتداداً لحقبة إمام قبل نجم. ونُلاحظ أيضاً التشابه الكبير بين لحن إمام لـ "أنا توب"، ولحن "هو صحيح الهوى الغلاب"، خصوصاً المقدمة الموسيقية للأغنيتين، علماً أن هناك تسجيلاً طويلاً بصوت وعود وإمام وهو يؤدي "هو صحيح".



دلالات

المساهمون