أفلام عربية في بيروت: انعكاسات الواقع وانفعالاته

أفلام عربية في بيروت: انعكاسات الواقع وانفعالاته

12 مارس 2018
صالح ومحمد بكري في "واجب" لآن ماري جاسر (فيسبوك)
+ الخط -
يتوسّع النشاط البصري لـ"ملتقى بيروت السينمائي". لن يكتفي بلقاءات معنيّة بالإنتاج المشترك، فقط. العروض تنبيه إلى نتائج إنتاجاتٍ كهذه، عبر مُشاهدة تجارب سابقة. "جمعية بيروت دي. سي." تبلور نهجًا إضافيًا لـ"أيام بيروت السينمائية"، المهرجان المختصّ بالأفلام العربية المستقلّة. "عروض بيروت السينمائية" إكمالٌ لدورٍ ثقافي وفني، تريده الجمعية في صناعة صورة سينمائية عربية مختلفة. الـ"عروض" ـ المُقامة، كالـ"ملتقى"، بالتعاون مع "مؤسّسة سينما لبنان" ـ تقديمٌ لأفلامٍ مُنجزة بإنتاج مشترك.

4 أفلامٍ لـ4 مخرجات عربيات، تُعرض في بيروت بين 22 و25 مارس/ آذار 2018: "على كفّ عفريت" للتونسية كوثر بن هنيّة، و"السُعداء" للجزائرية صوفيا جامة، و"بانوبتيك" للّبنانية رنا عيد، و"واجب" للفلسطينية آن ـ ماري جاسر. تنويع في الجغرافيا والهموم الفردية والحكايات المستلّة من حقائق العيش في ظلّ الخراب، وتنويع في الاشتغال السينمائي أيضًا: الروائي الطويل (3 أفلام) متنوّع، بدوره، في سرد نصّه. فمع الثنائي بن هنيّة وجاسر، يُختَصر الزمان والمكان بحيّز واحد (الأول ليلاً، والثاني نهارًا. الأول في شوارع العاصمة تونس، والثاني في شوارع الناصرة)، ويُختزل النصّ الأصلي بحكاية أساسية: في الأولى (على كفّ عفريت)، تُغتَصب مريم (مريم الفرجاني) من قِبَل عدد من رجال الشرطة، على مرأى من عينيّ صديقها يوسف (غانم زْريلّي) المُعنَّف، هو أيضًا، على أيديهم، فتبدأ رحلة ليلية لتحقيق عدالة، يبدو أن مؤسّسات البلد، الخاصّة والرسمية، غير معنيّة بها، رغم قيام ثورة شعبية مدنية لتبديل أحوالٍ كثيرة. في الثانية (واجب)، يعود الابن شادي (صالح بكري) من غربة طويلة، كي يحتفل مع عائلته الصغيرة بزواج أخته آمال (ماريا زريق)، ويبدأ ـ رفقة والده (محمد بكري) ـ رحلة نهارية لتوزيع بطاقات الدعوة، فتكون الرحلة لقاءً متأخّرًا بينهما، ونوعًا من اغتسالٍ لهما، مرتبك وتائه ومطلوب.

أما الروائي الـ3، فيُقدِّم نصًّا مختلفًا عن عنوانه "السُعداء"، ملتزمًا ـ في الوقت نفسه ـ وحدة الزمان والمكان: ساعات قليلة في نهارٍ حافل بأحداث وحكايات وانكشافات، في الجزائر العاصمة. خراب "العشرية السوداء" (26 ديسبمر/ كانون الأول 1991 ـ 8 فبراير/ شباط 2002) في البلد ماثلٌ في يوميات الناس وذاكرتهم، رغم مرور أعوام على انتهائها (2008). لكن النهاية لم تُحقِّق المطلوب، لأن الجرح غير مندمل، والذاكرة مغلقة على أسئلة محتاجة إلى إجابات، والعلاقات متوترة، والنزاع بين الأجيال (أهل/ أبناء، تحديدًا) ساخنٌ، وإنْ يبقى غليانه مبطّنًا، وانكشافه ملعونًا.


الساعات القليلة كافية، دراميًا وبصريًا، لكشف ذواتٍ مضطربة وقلقة. يُمكن اعتبار الفيلم ـ في جانبٍ منه ـ قراءة لنزاعٍ حاصلٍ بين جيلين، بعد النهاية الملتبسة والمعلّقة لحربٍ دامية، بين سلطة قامعة وجهاديين مسلّحين. بعض الجيل الجديد منجذبٌ إلى الدين، كشخصية رضا (آدام بيسا)، صديق فهيم (أمين لنصاري)، لكن القلق بادٍ في السؤال عن مصير هذا البعض في علاقته بالتشدّد. بعض آخر في الجيل نفسه راغبٌ في هجرة (فهيم نفسه، وإنْ بتردّد لشدّة ارتباكه وضياعه)، أو في حريةٍ وعيشٍ متفلّتين من قيدٍ متزمّت، كفريال (لينا خضري)، لكن القلق بادٍ في كيفية بلوغ حالةٍ كهذه في بلدٍ، نزيفه مستمرّ. الجيل الأقدم، المتمثّل بالوالدين تحديدًا ـ سمير (سامي بوعجيلة) وآمال (ناديا قاسي) ـ ومعارف لهما، يحاول خروجًا آمنًا من خرابٍ عميق. بعضه الأول مُصاب بفقدان قاس (مقتل زوجة وابنة)؛ وبعضه الثاني عاجزٌ عن الخروج من أسرٍ خانقٍ له جرّاء توهانه بين ماضٍ وحاضرٍ مرتبكين. وبعضه الثالث يُلملم جرحًا، أو ربما يتوهم ذلك، فإذا بجرحٍ آخر يُفتَح.

3 أفلام روائية طويلة تغوص في أعماق الاجتماع والأفراد والذاكرة والتاريخ والجغرافيا. مع كوثر بن هنيّة، تخترق مريم محرّمات متَوَارَثة من حقبة التشدّد السياسي والأمني في تونس ما قبل "ثورة الياسمين"، كي تقول حقًّا لها في عدالة وعيش وسلام. مع آن ماري جاسر، يتعرّى الأب والابن معًا، في استعادتهما أحوالاً ماضية عن عائلة وبيئة وعلاقة معقّدة مع محتلّ، في محاولة سينمائية جميلة لسرد مقتطفات من يوميات مدينة (الناصرة)، بما فيها من سلوك تربوي واجتماعي وثقافة عيش وحياة. مع صوفيا جامة، يظهر التشريح بصريًا بلغة سلسة، تنبثق من وجعٍ ورغبة في خلاصٍ.

اللبنانية رنا عيد تستعين بالوثائقي، مازجةً محطّات من سيرتها الشخصية بانقلابات بلدٍ ومجتمع. في "بانوبتيك"، ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية مفتوحة على تنقيبٍ آنيّ في آثارها الراهنة، المرتبكة والمعلّقة وغير المبتوت بها. هنا أيضًا، الحرب متمدّدة، كما في "السُعداء"، رغم أن الفترة الزمنية بين انتهائها ولحظة الفعل الدرامي في الفيلم الجزائري أقلّ (حوالي 6 أعوام) منها في الفيلم اللبناني (نحو ربع قرن).

الأفلام الـ4 منضوية في مسعى سينمائي إلى تنقيبٍ جذري في أحوالٍ عامة، عبر حكايات فردية. منضوية أيضًا في تشابهٍ بصري، يستعين بلغة الصورة، غالبًا، كي يروي وقائع عيشٍ، وانفعال لحظة، ومصائب اجتماع.

دلالات

المساهمون