كماشة التضخم تعاود الضغط على الاقتصاد التركي

كماشة التضخم تعاود الضغط على الاقتصاد التركي.. ومعدله السنوي إلى 58%

27 يوليو 2023
صداع التضخم يطارد الأتراك (Getty)
+ الخط -

لم تُجد نفعاً السياسات النقدية المتشددة التي اتخذها البنك المركزي التركي في لجم نسبة التضخم التي عاودت الارتفاع رغم رفع سعر الفائدة مرتين خلال شهر من 8.5 إلى 17.5%، لتستمر الليرة بالتراجع مسجلة اليوم الخميس نحو 27 ليرة مقابل الدولار، وتتزايد ملامح الجمود على الأسواق جراء ارتفاع الأسعار المستمر.

وأثارت توقعات رئيسة البنك المركزي حفيظة غاية أركان اليوم، بأن الاستقرار وتراجع التضخم لن يظهرا إلا بعد عام 2025، استياء الشارع التركي الذي عوّل على خطة الفريق الاقتصادي الجديد، بقيادة وزير المال محمد شيمشك والمحافظة الجديدة للمصرف المركزي.

وتقول غاية أركان إن هدف البنك المركزي تعزيز سياسات التشديد النقدي بشكل تدريجي حتى تتحسن توقعات التضخم بشكل كبير، وصولاً إلى "الهدف المنشود" وهو استقرار الأسعار من خلال مواصلة استخدام الأدوات المتاحة.

وتضيف رئيسة البنك المركزي التركي، خلال بيان اليوم الخميس، أن الفترة الحالية هي فترة انتقالية تسبق فترة إزالة التضخم والاستقرار المتوقعة. وأنه خلال هذه الفترة، من المتوقع أن تشهد الأسواق تحولًا في ديناميكياتها الداخلية، مشيرة إلى أنه وبحلول فترة إزالة التضخم، ستستبدل التعديلات المؤقتة في الأسعار النسبية بتحقيق استقرار في سعر الصرف وتحسين العجز في الحساب الجاري وتحقيق الانضباط المالي وزيادة الاحتياطيات.

ولكن، ذهبت غاية أركان بتوقعاتها بالاستقرار إلى نحو عامين، بقولها: إن ما بعد عام 2025 سيكون بداية فترة الاستقرار، حيث سيتسارع انخفاض التضخم وستزداد القدرة على التنبؤ بالأوضاع الاقتصادية.

ويشير البيان إلى تعديلات في توقعات التضخم للعام الحالي، حيث ارتفعت النسبة المتوقعة من 22.3% إلى 58% لنهاية عام 2023، ومن 8.8% إلى 33% لعام 2024.

ووفقًا للبيان الصادر عن البنك، يعكس هذا التعديل الارتفاع الكبير وغير المتوقع في معدلات التضخم خلال الفترة الحالية، وفي الوقت الحالي، يواصل البنك المركزي عملياته للتصدي للتضخم المتزايد من خلال تنفيذ سياسات نقدية متشددة ورصد الأوضاع الاقتصادية عن كثب. ومن المرجح أن يستمر التركيز على مكافحة التضخم وتعزيز الاستقرار النقدي في الفترة القادمة.

ويشكك الاقتصادي يوسف كاتب أوغلو في "حلول وإجراءات الفريق الاقتصادي الجديد" خاصة ما يتعلق بـ"الحلول السهلة، كرفع سعر الفائدة" التي لم تظهر آثارها على العملة ولا حتى على التضخم "بل بالعكس".

ويحذر كاتب أوغلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من الجمود الاقتصادي الذي بدأ يظهر في القطاعات الإنتاجية الحقيقية التي تعول عليها تركيا في نموها، كالقطاع الصناعي والزراعي، لأن تراجع القدرة الشرائية زاد من تكديس السلع والمنتجات وألزم بعض المنشآت على خفض الخطط الإنتاجية، "بل إن بعضها توقف ويراقب" خاصة بعد رفع الضرائب وأسعار المواد الأولية، وفي مقدمتها المشتقات النفطية.

ولم يبعد المحلل التركي أثر الحملة التي تشنها بلاده على السوريين، لأن العمالة السورية لها دور مهم في زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي، وكان لأجورها المنخفضة مساهمة بتقليل تكاليف الانتاج وزيادة العرض وحتى التصدير.

وتأتي توقعات المركزي اليوم بارتفاع نسبة التضخم بعد توقعات سابقة باستمرار انخفاض التضخم السنوي لأسعار المستهلك، في يونيو/ حزيران الماضي.

وبحسب استطلاع راي نشرته الشهر الجاري صحيفة "ديلي صباح"، فإن من المتوقع تراجع نسبة التضخم بشكل طفيف الشهر الجاري، من  39.59% إلى 39.47% بعد أن سجلت القراءة السنوية انخفاضاً بأكثر من 4 نقاط في مايو/أيار الماضي، بعد أن عوض توفير أنقرة الغاز الطبيعي المجاني في ذلك الشهر ارتفاعات أخرى في الأسعار، في حين ارتفع مقياس التضخم الذي يستبعد أسعار الطاقة مرة أخرى.

وكان متوسط التقدير، في استطلاع لـ"رويترز"، للتضخم الشهري في يونيو هو ارتفاع بنسبة 4.84%، مع توقع تراوح بين 2.5% و5.5%، مدفوعاً جزئياً بانخفاض حاد في الليرة التركية.

ويعتبر المحلل التركي باكير أتاجان أنه من "الظلم والمبكر" الحكم على خطط الفريق الاقتصادي الجديد، لأن الأزمات الاقتصادية التي تعانيها تركيا معظمها ارتدادات لظروف ومشاكل دولية، سياسية واقتصادية، وأن الخطط التقليدية التي أعلنها الفريق الاقتصادي بتحسين النمو والتضخم تحتاج إلى زمن: "النتائج ستظهر على الصعيد المتوسط والبعيد وليست آنية".

لكن يلفت أتاجان إلى ضرورة إبعاد معيشة الأتراك عن الخطط لأنها الأكثر تأثراً جراء ارتفاع الأسعار بعد رفع أسعار المحروقات وفرض الضرائب، معتبراً أن المحافظة على القدرة الشرائية لا يأتي عبر رفع الأجور، بل عبر تثبيت سعر الصرف واستقرار الأسعار، لأن رفع الرواتب يزيد من عرض العملة التركية بالأسواق وبالتالي يساهم بتأخير خفض التضخم.

وكانت تركيا قد سجلت، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلى نسبة تضخم في 24 عاما وقت وصلت إلى نحو 85.5% قبل أن تتراجع إلى 38.2% في يونيو/حزيران الماضي.

المساهمون