في الحرب... فلسطينيون يتقاسمون الطعام والمياه

23 أكتوبر 2023
الفلسطينيون في غزة يعانون من انعدام مقومات الحياة الأساسية (الأناضول)
+ الخط -

يخلق العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والذي يدخل أسبوعه الثالث على التوالي مأساة إنسانية حقيقية، تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة الأساسية، وأبرزها الماء، والغذاء، والكهرباء، وباقي المُتطلبات اليومية الضرورية، ما يزيد من عُمق الأزمة.

وتشهد مُختلف المناطق حالة من الازدحام، والطوابير الطويلة، والصعوبة البالغة في الحصول على الماء، والخبز، والغذاء، بفعل حالة النقص الشديد التي يشهدها قطاع غزة، بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المعابر، ومنع دخول المُساعدات الإنسانية، ومختلف المواد الغذائية، إلى جانب قطع إمدادات الكهرباء، والماء، والأدوية، والمُستلزمات الطبية، ومُشتقات البترول.

ويخلق الوضع المأساوي الحاصل، بفعل اشتداد ضراوة العدوان، وتأثيره على نواحي الحياة كافة، وفي مقدمتها الاحتياجات الإنسانية، واليومية للمواطنين، حالة من التواد والتعاون بعضهم بين بعض، والنازحين على وجه التحديد، لتقاسم الماء، والطعام، والخبز، وباقي اللوازم الأساسية، والتي تمكنهم من البقاء على قيد الحياة.

وزاد من عمق الأزمة الإنسانية، وتدافع الناس للحصول على مُتطلبات حياتهم اليومية، اختلال توازن المناطق، والتوزيع السُكاني، واضطرار المناطق الوسطى والجنوبية لقطاع غزة لاستضافة مئات آلاف النازحين من مدينة غزة، والمناطق الشمالية، بعد تحذير الاحتلال لهم بإخلاء مناطقهم نحو جنوبي وادي غزة، وسط قطاع غزة، وذلك على الرُغم من اكتظاظ المناطق الجنوبية والوسطى أساساً بالسُكان، وتأثرها بالأوضاع الإنسانية المُتردية، بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ سبعة عشر عاماً.

ويفتح الفلسطيني أبو خليل أبو مساعِد خزانات المياه المُندفعة بعد تشغيل المولد الكهربائي الخاص بمنزله لجيرانه والمارة، للتزود بالماء المُخصص للاستخدام اليومي، في مُحاولة منه للتخفيف من الأزمة الخانقة التي باتت تحيط بهم، بخاصة في ظل نزوح شريحة كبيرة إلى منطقته، وإلى المدارس المُحيطة.

وتُخَصَص المياه الواصلة إلى البيوت في الوقت الطبيعي للاستحمام، والغسيل، والاستخدام اليومي، فيما يعتمد أهالي قطاع غزة على محطات لفلترة تلك المياه، وتوصيلها إلى منازلهم عبر شاحنات، لتصبح صالحة للشرب.

إلا أن أزمة المياه الحالية، وتوقف محطات الفلترة، وتحلية المياه عن العمل، بفعل الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي، وتوقف الشاحنات عن النقل، دفعت المواطنين إلى شرب المياه الواصلة، خاصة مع انقطاع زجاجات المياه المُحلاة، والمُباعة في المحال التجارية، والبقالات، والمولات.

يقول أبو مساعِد لـ"العربي الجديد" إن الأزمة الحالية خانقة للغاية، وغير مسبوقة، خاصة في ظل الانقطاع الكامل للمياه، وللتيار الكهربائي، والذي بات يؤثر على المُتطلبات الحياتية اليومية، سواء المتعلقة بوصول المياه، أو حتى القدرة على الخبيز والذي يعتمد بشكل أساسي على الكهرباء، ما يستوجِب على الجميع التعاون للتغلب على الأزمة، خاصة في ظل الخطر الكبير، والمُتمثل في الاستهداف المُباشر للمواطنين، وبيوتهم الآمنة.

ويندفع الفلسطينيون النازحون لشراء الخبز الجاهز من المخابز، بفعل انقطاع التيار الكهربائي وعدم تمكنهم من صناعة الخبز المنزلي، فيما تضج المخابز بطوابير طويلة للحصول على الخبز، ما اضطر المخابز إلى تخصيص ربطة واحدة لكل أسرة، بفعل الشح الكبير، والمتزامن مع الطلب المتزايد، حتى تتمكّن من تغطية أكبر قدر ممكن من الأُسر.

يتقاسم الفلسطيني محمد أبو نصير ربطة الخبز التي يحصل عليها يومياً مع شريكه في فصل اللجوء، داخل إحدى المدارس، لاكتفائه بنصف الكمية، خاصة في ظل عدم وجود ثلاجات يُمكنها حِفظ الجزء المُتبقي، ويقول: "أقوم بتوفير الخبز، بينما يُساعدني جاري في توفير الطعام الجاهز من أحد المطاعم الشعبية".

ويلفت أبو نصير لـ"العربي الجديد" إلى أن الأزمة المتصاعدة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة باتت عامة، وتمس اللوازم الأساسية التي يحتاج إليها الناس يومياً، وهي جزء أساسي من الحرب الإسرائيلية التي تستهدف الفلسطينيين بالقصف المباشر، وتدمير البيوت على رؤوسهم، علاوة على التسبب بانعدام المقومات الأساسية كافة لمن بقي على قيد الحياة.

واضطر الفلسطيني أحمد الناجي من مدينة غزة إلى مغادرة منطقة تل الهوا جنوب غربي المدينة، نحو مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بعد تهديدات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة للمواطنين بالإخلاء، إلا أنه فوجئ بالكثير من الأزمات، التي فاقت تصوره، وأبرزها أزمة توفير الماء والطعام.

يُبين الناجي لـ"العربي الجديد" الذي أوقف عربة لشراء كمية من بسكويت الأطفال أنه يُحاول الاعتماد قدر المُستطاع على البدائل التي تُمكنه من سد رمق أطفاله، مثل أصناف البسكويت، التي يتشارك فيها مع أصدقائه. ويضيف: "على الرغم من أنها لا تفي بالغرض، إلا أنها تُخفف من الأزمة ولو بشكل مؤقت".

ومُنذ بداية العدوان، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشرات آلاف الوحدات السكنية، كذلك الأبراج السكنية، والتجارية، التي تضم المحال والشركات، والمصالح التجارية، والمخازن الغذائية المتنوعة، ما أدى إلى تحييدها عن العمل، فيما تسببت باستشهاد أكثر من 4100 فلسطيني، وإصابة ما يزيد عن 13 ألف شخص بجراح مختلفة، معظمهم من النساء والأطفال.

وتتفاقم الأزمة الإنسانية يوماً بعد الآخر، منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي باستهداف مصادر المياه، والتي يحصل عليها الناس بشكل بدائي بسبب الانقطاع الكامل للماء، إلى جانب القصف المباشر للمخابز، تعميقاً للمأساة، ومنعاً لتزود الناس باحتياجاتهم الأساسية، ما خلق حالة من التعاون بين المواطنين، للتخفيف من حدة الأزمة.

ووصلت أول قافلة من 20 شاحنة إلى غزة عبر معبر رفح مع مصر، صباح السبت الماضي، لكن المطالب الإسرائيلية بالتحقق من المساعدات تعرقل جهود إيصال الإمدادات إلى القطاع المحاصر.

وأكد بيان مشترك صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، و"يونيسف" وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، أنه "خلال ما يقرب من أسبوعين من القصف المستمر، الذي طاول الملاجئ والمرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، تعرّض عدد مهول من مرافق البنية الأساسية المدنية في غزة للتلف أو الدمار. ولهذا، لم يتبق أمامنا إلا وقت قليل قبل أن ترتفع معدلات الوفيات إلى عنان السماء، بسبب تفشي الأمراض، والافتقار إلى الإمكانات اللازمة لتوفير الرعاية الصحية".

وأشار البيان الصادر، أول من أمس السبت، إلى أن المدنيين يواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على الإمدادات الغذائية الأساسية. أما عن المياه، فقالت المنظمات "إن الطاقة الإنتاجية للمياه لا تزيد عن 5% من الطاقة العادية.

والإمدادات الإنسانية المجهّزة مقدماً قد استُنفدت. ووسط كل ذلك، فإن الضعفاء هم الأكثر عرضة للخطر، ومنهم الأطفال الذين يموتون بأعداد تدعو للقلق، ويُحرمون من حقهم في الحماية والغذاء والماء والرعاية الصحية".

بل إنه من قبل هذا الصراع في غزة كما أكدت المنظمات "كان ما يقرب من ثلث سكان فلسطين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. واليوم، نفدت البضائع تقريباً من المحلات التجارية، وأغلقت المخابز، كما نزح عشرات الآلاف من البشر ولا يستطيعون الطهي أو شراء الطعام بأمان".

ودعت المنظمات إلى توفير المياه والغذاء والرعاية الصحية، والوقود اللازم لتقديم الخدمات الأساسية، وأن يتوفر كل ذلك على نحو مأمون ومستمر.

وكان الفلسطينيون يعانون بالأساس من الفقر والبطالة تحت الحصار الإسرائيلي المطبق على غزة قبل العدوان الحالي.

ووفقاً لإحصاءات اتحاد نقابات عمّال فلسطين، فإنّ أعداد العاطلين من العمل بلغت نحو ربع مليون عامل، إذ تأثّرت كلّ القطاعات الزراعية والصناعية والإنشاءات من الحصار، الذي تقدر تكلفة خسائر غزة منه وفقاً لبعض المنظمات الدولية بنحو 16.7 مليار دولار.

ولا يتجاوز متوسط دخل الفرد اليومي في القطاع الدولار الواحد، في الوقت الذي يعتمد فيه نحو 80% من السكان على المساعدات الإغاثية التي تقدمها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وغيرها من المؤسسات.

المساهمون