الحرب تشلّ سياحة القدس: خسائر باهظة بسبب إجراءات الاحتلال

الحرب تشلّ سياحة القدس: خسائر باهظة بسبب إجراءات الاحتلال

07 نوفمبر 2023
ركود سياحي واسع في القدس المحتلة (العربي الجديد)
+ الخط -

مع مرور شهر تقريبا على معركة "طوفان الأقصى" وما تلاها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة، تبدو مدينة القدس أشبه بثكنة عسكرية تزدحم بالجنود والمستوطنين خاصة في ساعات المساء.

بينما تخلو المدينة من روادها والوافدين إليها، سواء من الفلسطينيين القاطنين في ضواحيها القريبة والمتاخمة لبلدتها القديمة، أو من الوفود السياحية التي كانت تعج بها أسواق المدينة، وتزدحم بها فنادقها ومواقعها السياحية التاريخية والدينية.

لا سياح في القدس

ألغى آلاف السياح الأجانب حجوزاتهم في أشهر فنادق مدينة القدس مثل إمبريال والبترا والإمبسادور والهاشمي، والسان جورج، والليغاسي، والفندق الوطني والتي كانت حتى السادس من اكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تشهد غرفها الفندقية حالة من الإشباع في ذروة موسم سياحي كان تعافى تواً من جائحة كورونا، بعد ما تسببت بخسائر فادحة للقطاع السياحي المقدسي، ثم عاود ونهض مجددا.

ومع نهوض القطاع سارع العديد من أصحاب الفنادق والمطاعم السياحية إلى تحديث منشآتهم وتوسيعها وتطويرها بالاستدانة من المصارف لتلبية احتياجات موسم سياحي مقدسي حمل كثيرا من التفاؤل لدى العاملين بهذا القطاع، والذي يقدر عددهم بعشرات الآلاف.

لكن ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قلب الأوضاع رأسا على عقب، وقد استحق ذلك الحدث الكبير المفاجئ لقب الطوفان بحيث رسم واقعا جديدا ترك تأثيره الفوري على مختلف مناحي الحياة سواء في المدينة المقدسة، أو في حدود فلسطين برمتها، وامتد طوفانه إلى المحيط القريب والبعيد.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول رئيس جمعية السياحة الوافدة في الأراضي المقدسة، طوني خشرم، إن "ما تلا معركة (طوفان الأقصى) ترك تأثيره الفوري على القطاع السياحي المقدسي، بسبب إجراءات الاحتلال الأمنية، ومغادرة جميع الوفود السياحية إلى بلدانها، وإلغاء آلاف الحجوزات التي كانت تقررت للشهور الثلاثة القادمة بسبب تردي الأوضاع الأمنية".  

الصورة
سياحة القدس المحتلة / أسواق (العربي الجديد)
ألغى آلاف السياح الأجانب حجوزاتهم في أشهر فنادق مدينة القدس

خسائر بعشرات الملايين 

حتى تاريخ السادس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان الوضع جيدا في مدينة القدس، حيث شهدت الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وحتى السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، انتعاشا كبيرا في الحركة السياحية، ثم بعد ذلك التاريخ بدأ الوضع يتدهور بشكل حاد بعد أن بدأت الوفود السياحية بإلغاء حجوزاتها من الفنادق ومغادرة فلسطين إلى أوطانهم.

يُقدر معدل إنفاق السائح في القدس بـ1100 دولار، فيما قدر عدد السياح هذا الموسم بحوالي 45 ألف سائح، وما حصل يعني خسائر تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، كما يؤكد خشرم.

وفي ظل إلغاء السياح حجوزاتهم ومغادرتهم إلى بلدانهم أوضح خشرم، أن ذلك انعكس مباشرة على مزودي الخدمات السياحية، ومكاتب السياحة الوافدة، والفنادق، والمطاعم، والمرشدين السياحيين، وأصحاب محلات التحف السياحية، وحتى البسطات التي تبيع الهدايا، إضافة إلى مزودي مواد التنظيف، ومزودي الوقود للحافلات، وحتى مصانع التحف الشرقية التي تأثرت هي الأخرى.

الصورة
سياحة القدس المحتلة / أسواق (العربي الجديد)
تخلو الأسواق حتى من المتسوقين المحليين بسبب إجراءات التفتيش واستفزازات المستوطنين

ويشير خشرم إلى أن هذه الخسائر المباشرة لا تشمل خسارة رأس المال للعاملين في هذا القطاع خاصة أصحاب الفنادق والمطاعم، الذين قرروا الاستثمار في مصالحهم السياحية بعد التعافي من جائحة كورونا، وعاد الكثيرون في هذا التوقيت للاستثمار في فنادقهم، وأضافوا غرفا فندقية جديدة، وطوروا ما هو قائم، أو اشتروا مزيداً من الحافلات السياحية بعد الحصول على قروض من المصارف.

كما تم زيادة أعداد الموظفين العاملين في هذه الفنادق، والتوسع في عملية التطوير استجابة للزيادة الكبيرة في السياحة الوافدة والمبالغ التي حولت لصالح العاملين في الفنادق زادت عن 300 مليون دولار.  

شلل الفنادق 

تبدو جميع فنادق مدينة القدس خالية تماما من نزلائها الأجانب، وبات العمل فيها مشلولا، ما سيضاعف من خسائرها التي كانت ترتبت على مدى العامين الماضيين، بسبب جائحة كورونا.

يؤكد وليد الدجاني، لـ"العربي الجديد"، وهو صاحب فندق الإمبريال في ساحة عمر بن الخطاب بمنطقة باب الخليل أحد أبواب البلدة القديمة من القدس.

يذكر أن فندق الإمبريال هو واحد من فندقين مهددين بالاستيلاء عليهما من قبل جمعيات استيطانية متطرفة تخوض منذ نحو عقدين صراعا قانونيا مع بطريركية الروم الأرثوذكس المالك للفندق.

وعلى مدى تلك السنوات من هذا الصراع القضائي، عانى الفندق من خسائر مستمرة اضطرت إدارته إلى التخلي عن العديد من العاملين فيه، بينما يُشَغَّل حاليا بحد أدنى من العاملين، في وقت يخلو الفندق كما كل الفنادق الفلسطينية في القدس من النزلاء، وهو واقع ينعكس أيضا على المطاعم السياحية، وعلى أدلاء السياحة، وجميع هؤلاء يعيلون أسرا كبيرة. 

الصورة
سياحة القدس المحتلة / أسواق (العربي الجديد)
ُقدر معدل إنفاق السائح في القدس بـ1100 دولار

محال التحف 

هذا الواقع يطاول أيضا العاملين في محلات التحف السياحية، كما يقول محمد الصالحي صاحب محل في سوق الدباغة المعروف بسوق (افتيموس) بالبلدة القديمة من القدس والمجاور لكنيسة القيامة.

يذكر أن فندق الإمبريال هو واحد من فندقين مهددين بالاستيلاء عليهما من قبل جمعيات استيطانية متطرفة

يقول الصالحي لـ"العربي الجديد": "القدس في حالة موات غير مسبوق منذ حوالي شهر، لا وجود لسياح أجانب وهم الذين يشكلون الزبائن الرئيسيين لنا، إضافة إلى أن معظم المحال مغلقة.

أما من يفتح أبوابه منها فلساعات قليلة، حيث تخلو الأسواق حتى من المتسوقين المحليين الذين يتجنبون الدخول الى البلدة القديمة؛ بسبب إجراءات التفتيش المذلة للمواطنين عند أبواب البلدة القديمة، وكذلك استفزازات المستوطنين والتي لا تتوقف، ومن ثم تمر أيام دون أن نُرزق حتى ولو بشيكل واحد (عملة إسرائيلية)". 

معاناة الاقتصاد 

من الملاحظ أن القطاع الاقتصادي المقدسي بجميع فروعه ومسمياته يعاني التداعيات الأخيرة التي أعقبت معركة "طوفان الأقصى" وحرب الاحتلال على قطاع غزة، حيث البلدة القديمة والأسواق الواقعة خارجها كانت الأكثر تأثرا نتيجة حالة الركود والشلل التجاري، كما يؤكد سكرتير الغرفة التجارية في القدس، حجازي الرشق، في حديث لـ"العربي الجديد".

هذا الواقع حول البلدة القديمة من القدس، بحسب الرشق، إلى مدينة أشباح لا يرتادها إلا جنود الاحتلال ومستوطنوه الذين يضيقون على حركة المواطنين ويعتدون عليهم.

ولا تتوقف طواقم بلدية الاحتلال في القدس وطواقم ضريبة الدخل التابعة للاحتلال، عن ملاحقة التجار حتى في ظل حالة الشلل والركود التي تشهدها أسواق المدينة، حسب الرشق.

وحث الرشق على توجيه الدعم الكافي لتجار المدينة المقدسة، لتعزيز وجودهم ومساعدتهم على الصمود في وقت يحاول الاحتلال فرض وقائع جديدة على الأرض مستغلا تدهور الأوضاع الأمنية.

المساهمون