هجاء كافكا

هجاء كافكا

07 أكتوبر 2016
(تمثال لـ كافكا في براغ)
+ الخط -

مع مطلع السبعينيات، بدأ الهجوم على كافكا في النقد العربي. وقد كانت التهمة الموجّهة إليه هي صهيونيته. اللافت أن النقّاد العرب انقسموا، هذه المرّة، حول هذه المسألة تحديداً؛ فمنهم من راح يؤكّد انحياز الكاتب للصهيونية، مستعيناً بالترجمة التي كانت قد صدرت، آنئذٍ، لقصته "بنات آوى وعرب"، ومنهم من أخذ يُدافع عن الروائي، وينفي عنه تهمة الصهينة، مستنداً إلى تحليل نقدي مختلف للقصّة ذاتها، أو لأعماله الروائية الأخرى التي كانت قد تُرجمت إلى العربية.

أُضيف إلى مجموعة النقّاد العرب الذين أكّدوا صهيونية الكاتب، تنديدٌ آخر غير مسبوق من قبل إحدى الكاتبات السوفييتيات، لا لأنه صهيوني، كما قيل عنه قبل ذلك في النقد العربي، بل لأنه سوداوي لا يناسب الحلم الاشتراكي. ويُمكن استخلاص الاتهامات له من مقالة نُشرت في كتاب "دراسات في الأدب والفن"، الصادر في سورية، في الحقبة ذاتها من القرن العشرين؛ حيث وصفت الناقدة شعور كافكا بالشذوذ والضعف واللامبالاة، وقالت إنه يعكس في مؤلّفاته بلبلة أخلاقية وروحية، فيما يعاني أبطاله من التفكّك الداخلي.

ولا تأخذها أية رحمة به بعد ذلك، فتتّهمه بجنون الاضطهاد. وهذا نقد غريب من ناقدة تدافع عن الاشتراكية والأدب الاشتراكي، في حين كان الكاتب يجسّد أزمة الإنسان في ظل الرأسمالية المتوحّشة.

ثم تعقد مقارنةً، غير مفهومة، بينه وبين مكسيم غوركي، حيث يتجلّى الثاني، كما هو متوقّع، في صورة الروائي الإنساني (وهو كذلك)، في مواجهة كافكا المعقّد الذي لا يعرف كيف يُعبّر عن القوى الفاعلة في المجتمع. وهكذا، يُدهش القارئ من هذا النقد الذي يُدين الروائي لأنه وضع أبطاله في كوابيس تسبّب بها نظام يطحن الإنسان، ويفكّك وجوده، ويسحقه. وفي النتيجة، يكاد القارئ يستخلص أن كافكا مسؤول عن جرائم الرأسمالية وليس العكس. والمقالة محيّرة، وفيها كمّ من النقد الغريب اللامعقول المكسوّ بدهنٍ جافّ من الأفكار.

كان اسم كافكا قبل ذلك، أي منذ أن تُرجم إلى العربية مرادفاً للعوالم الكابوسية، وكان بوسْع القراء الذين قرأوا له، أو سمعوا به، أن يصفوا أية ضائقة، وقد تكاثرت علينا الضائقات، بأنها كافكاوية. وهي تعني أنها لحظة عبثية، مرعبة، تتضمّن عناصر لا يمكن للمرء أن يُصدّقها. وقد تسلّلت كلمة" كافكاوي" إلى المعجم العربي التداولي، وأضحت خلال عقد الستينيات، وما زالت حتى اليوم، بديلاً لـ "كابوسي".

اللافت هو أن الحقَب التالية، أي منذ سبعينيات القرن العشرين، حتى اليوم، كانت تُقدّم باستمرار دلائل دامغة على تراكم الكوابيس على العالم العربي. وذلك حين تفنّنت حكومات الاستبداد العربي في تعميم أساليب القهر، والسجون، وكبت الحريات.

أما اليوم، فسيبدو تنديد الناقدة السوفييتية تهوّراً وطيشاً، حين يقارن عالم كافكا بالوقائع اليومية في العراق وسورية مثلاً. وقائع تعني تهجير ملايين البشر، وتدمير عشرات المدن، وقتل عشرات الآلاف، وانتشار التعصّب، وفنون الجماعات المتطرّفة في التصفية والقتل. يمكن أن يُقال إن رواياته مجرد تمارين لتنشيط المخيّلة.


المساهمون