معرض صور الإبادة

معرض صور الإبادة

22 ديسمبر 2023
مظاهرة في لندن تدعو لمحاكمة بايدن وسوناك ونتنياهو بارتكاب جرائم حرب (Getty)
+ الخط -

المتأمّل لوجه الرئيس الأميركي جو بايدن سيلاحظ مسحةً من الرضى والسعادة والراحة والزهو، خاصّة بعد انتصاره على غريمه الصعب ترامب، بصحبة ابتسامة غامضة نوعاً ما. وإذا أضفنا إلى ذلك هرمه غير النشط، وتأدّبه في الحديث، فمن المُحتمل أن يكون مقرّباً من الناس، وهو يختلف في ذلك عن سحنة نتنياهو ذات الملامح القاسية، عديمة الرحمة، بالبشرة الخالية من التجاعيد الإنسانية، كما يختلف كثيراً عن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت ذي الملامح الحربية الوحشية الذي أقيل، خاصّةً حين يتحدّث عن الفلسطينيّين ويصفهم بأنّهم حيوانات.

لم أر صورة للكاتب الطاهر بن جلون الذي تابع غالانت في ذلك الوصف المنحطّ لأعرف إن كانا متشابهين أيضاً، فإن الملامح كافةً تزول من وجهه، يتحوّل إلى تمثال من الجبس الخالي تماماً من المشاعر.

لا فرقَ بين المُبتسم والعبوس في معرض الصور هنا، فالإجراءات العسكرية التي نُفذت في غزّة كانت من صناعة، وبقيادة، هؤلاء الثلاثة، وبمعاونة العشرات من قادة الدول المُلحقة بالنظام الأميركي في العالم. فجأة "نكتشف" أنَّ بايدن صهيونيٌّ، وليس ديمقراطياً أو من أنصار حقوق الإنسان.

يجب أن نعرف ذات يومٍ منذ متى وهو يحمل هذا الحقد وتلك البغضاء؟ 

الحقيقة هي أنّه هو شخصيّاً يكشف لنا هذا، يعترف بكلِّ فخرٍ بذلك علناً، وهو يعتبر الصهيونية مبدأ يمكن اعتناقه ببساطة، حتى لو كان غير يهوديّ. يُدهشك صاحب الوجه الطيب، البشوش، بمقدار الحقد الذي يملأ قلبه على أهالي غزّة وعلى الفلسطينيّين. يجب أن نعرف ذات يومٍ منذ متى وهو يحمل هذا الحقد وتلك البغضاء؟

يُدهشك حجم اللامبالاة التي يُظهرها تُجاه مقتل الآلاف من الأطفال في غزّة، إذ يحتفظُ بالابتسامة "البريئة" ذاتها، وهو يسمع الصرخات من أبناء شعبه تعدُّ القتلى الذين يبيدهم سلاحه. لا تصدق أيضاً أنه يعتبر الجيش الإسرائيلي إنسانياً. يمكن إضافة صورة المستشار الألماني، الذي يتغزّل بإنسانيّة المدافع والطائرات الحربية والرشاشات الإسرائيلية، إلى المعرض.

في الخمسينات من القرن العشرين كتبَ الشاعر والروائي المصري عبد الرحمن الشرقاوي قصيدة سمّاها "رسالة من أب مصريّ إلى الرئيس ترومان". ويقول غالي شكري إنَّ الشرقاوي حاول استرحام الرئيس الأميركي بأن يحرّك بداخله مشاعر الأبوة تُجاه الأطفال الذين تقتلهم آلات الحرب الأميركية حول العالم. وفي القصيدة غير ذلك، حيث تُشير إلى مسؤوليّته عن أوامر الموت. لم يقرأ ترومان القصيدة بالطبع، وإنّما قرأها آباءُ وإخوة الضحايا، وقد استمرت الحرب الأميركية في كلِّ مكان. ومن الواضح من سلوك جو بايدن أنَّ ترومان يتناسل في البيت الأبيض بلا توقف، وهو في كلِّ جيل أكثر قسوةً ووحشيّةً وقدرة على القتل المرتبط بتقدّم نوع الأسلحة وآلات الدمار التي يمتلكها.

هل صحيحٌ أنَّه لا يرى الأطفال والنساء والكهول الذين تقتلهم قنابله في غزّة؟ الحقيقة هي أنّه يعرف ويرى ويعلم جيداً كلَّ شيء، وهو يُرسل القنابل عمداً وبلا مواربة، ولهذا من الصعب أن تُحرّك مشاعره رواية أو قصيدة أو مقالة، إذا ما فكّر كاتب ما في هذا العالم مخاطبة قلبه، فقد أغلق قلبه منذ زمن بعيد، يبعد كثيراً عن زمن ترومان أيضاً.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية

المساهمون