القارئ والرواية

23 يونيو 2023
من متحف "فندق الجدار" في بيت لحم بفلسطين المحتلة
+ الخط -

ينقسم القرّاء العرب ــ وأنا أتحدّث هنا عن قرّاء الرواية ــ إلى قسمين رئيسيين اليوم؛ الأوّل هُم أولئك الذين يقرأون الكتاب الورقي، وفي هذه الحالة، فهم ينتمون إلى تلك الشريحة الاجتماعية القادرة على شراء الكتاب. ينبغي أن نعرّف بهم كذلك لأن أسعار الكتاب لا تُحتمل، فالسوق لا يرى في الكتاب سوى سلعة تبدأ عملياتها من التنضيد إلى الطباعة إلى النشر، ولا دخل للثقافة أو التثقيف بهذا الأمر، لا من قريب ولا من بعيد. ولهذا فإنه يُرغم المنتج كي يضع له أسعاراً تناسب الكلفة والأرباح، لا التأثير أو الدَور المناط بالكتاب. وفي الغالب، فإن سعر الكتاب قد تجاوز حدود قدرة الأفراد بمسافات بعيدةٍ تُجبر الناس، يوما بعد آخر، على تجاهل هذه "السلعة".

أمّا الفئة الثانية، أو الشريحة الاجتماعية الثانية التي تقرأ، فهي تعتمد على الكتاب الإلكتروني المصوَّر، الذي ينتشر انتشاراً واسعاً اليوم، على مئات المواقع والأقنية التي تصوّر الكتب أو تنقلها مصوَّرةً مجّاناً. وهذ يعني أن عائقاً مادّياً يحول بينهم وبين اقتناء الكتاب الورقي.

يتحدّث رولان بورنوف وريال أوئيليه، مؤلّفا كتاب "عالم الرواية"، عن عوائق القراءة تجارياً وثقافياً. والعائق التجاري يحيل إلى مقدرة الفرد القارئ على اقتناء الكتاب، أمّا العائق الثقافي فيشمل كلّ ما يتعلق بالفهم والرغبة في القراءة.

 

لم تُدرَس بعدُ العلاقة بين القراءة ونشوء الرواية العربية

وفي بلد مثل فرنسا، فقد تخطّت الرواية كلا العائقين، إذا باتت دُور النشر تطبع عشرات أو مئات آلاف النسخ من الرواية الواحدة، وباتت قادرة على التنويع في النصوص بحيث تغطّي حاجات القرّاء من جميع الاهتمامات الثقافية.

وبعكس ما يَذكران، فإن العائق التجاري ــ أو المادّي، أو الكلفة ــ لا يناسب قطعاً القدرة الشرائية للمواطن العربي، بينما يتقدّم العائق الثقافي ليكون في السياق أو المضمار ذاته الذي يسيطر فيه العائق التجاري، ولدينا تنويعات لا حصر لها على حضور هذا العائق في حياتنا.

وهناك مئات آلاف البشر، في أوساط اجتماعية عربية كثيرة، لا يصل إليها الكتاب أبداً، وهم غير مهتمّين أساساً بالقراءة، وثمة الكثير مِن بينهم ممّن يُبدون ازدراءً لهذا الفعل، أو يسلكون في حياتهم مسلكاً ينمّ عن اللامبالاة تجاه الكتب وما تمثّله. ولا شكّ أن القطاع الأكبر من الفلّاحين والعمّال والموظّفين لا يقرؤون، وهم عاجزون عن شراء الكتاب من جهة، وغير راغبين، من جهة أُخرى، في تبديد الوقت في البحث عن الكتب على المواقع، بسبب مشاغل العيش التي تلتهم تقريباً معظم أوقاتهم، بحيث لا يبقى لديهم غير بضع ساعات للراحة الجسدية والفكرية.

لا وزن للقارئ العربي في التعداد العام للسكّان العرب في جميع الدول العربية، وحتى اليوم لم يكسر أي كتاب عربي حاجز النسخ المقرّرة، حتى لو أدخلنا في الإحصاء تلك النسخ التي ينقلها قرّاء الكتاب الإلكتروني إلى أجهزة القراءة. ولم تُدرَس بعدُ العلاقة بين القراءة ونشوء الرواية العربية، أو بين القراءة وتطوّر الرواية.

لهذا، فإن من الصعب أن نتحدّث عن تأثير القارئ في انتشار الرواية، على غرار ما حدث في زمن نشوء الرواية، أو في الزمن التالي، كما يقدّمه "عالم الرواية".


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون