برحيل المفكّر والمحلّلة النفسية آن دوفورمانتيل، صيف عام 2017، خسرت فرنسا واحدةً من أبرز المشتغلين في الحقل الثقافي وأكثرهم شجاعة واتّساقاً مع فكرهم، وهو ما برهن عليه موتُها المفجِع، حيث قضت أثناء إنقاذها لطفلين على أحد شواطئ فرنسا، وهي التي سبق لها أن نشرت كتاباً بعنوان "مديح الخطر"...
ورغم رحيلها المبكّر عن 53 عاماً (1964 - 2017)، استطاعت دوفورمانتيل ترك بصمة في الحقلين اللذين نشطت فيهما: الفلسفة والتحليل النفسي، وذلك من خلال أكثر من عشرين كتاباً تطرّقت فيها، بعدّتها الخاصّة، التي تمزج بين أدوات هذين الحقلين، إلى مسائل مثل الحب والموت وتاريخ الفلسفة والسلطة والنسوية والجندر وحقوق المرأة، وغيرها.
عن منشورات "صفحة سبعة"، تصدر قريباً النسخة العربية من كتاب دوفورمانتيل "المرأة والتضحية: من أنتيغون إلى امرأة الهامش"، بتوقيع المترجم التونسي وليد أحمد الفرشيشي.
في كتابها، الصادر بالفرنسية عام 2007، تنطلق المفكّرة الراحلة من فكرة أن التضحية "حاضرة في كلّ مكان، وكلّ زمان"، بدءاً من الأساطير القديمة وحتى حياتنا اليومية، غير أن المرأة قلّما تُذكَر فيها، رغم ارتباطها، منذ القديم، بمسألة التضحية، دون أن يكون لها الخيار في ذلك، في أغلب الأحيان.
وعلى الرغم من التحرّر النسبي في وضع النساء وتحصيلهنّ عدداً من الحقوق في مجتمعات تهيمن عليها قوانين الذكورية، حتى في الغرب، إلّا أن المؤلّفة تُشير إلى أن التضحية ما تزال قانوناً تضطرّ كثير من النساء إلى العيش وفقه، ضاربةً على ذلك مثالاً بصورة الأم التي عليها أن تكرّس نفسها وتُعطي كلّ شيء لعائلتها، لأطفالها وزوجها، على حساب نفسها.
وتتناول دوفورمانتيل، في تحليلها النفسي ـ الفلسفي، عدداً كبيراً من الشخصيات، الواقعية والتاريخية أو الخيالية، التي ارتبطت صورتها بصورة المرأة المضحّية، من أنتيغونا في الأسطورة الإغريقية وشخصية دولثينيا في رواية "دون كيخوته" لثيربانتس وحتى الراهبة تيريزا التي عاشت في القرن التاسع عشر.
وإذ تحلّل دوفورمانتيل هذا العبء الذي تحمله النساء تاريخياً، حيث يتوجّب عليهنّ تكريس حياتهنّ ووقتهنّ للآخرين، فإنها تقول إن التضحية لم تكن علامةً على القمع فقط، بل كانت أيضاً، في بعض الأحيان، علامةً على ثورة النساء على واقعهنّ وعلى ما يبدو قدراً محتّماً عليهنّ، حيث تأخذ التضحية هنا شكل تضحية من أجل الذات ومكانتها، ومن أجل النساء الأخريات.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
