بين "شوشع" وقطة الإمام

بين "شوشع" وقطة الإمام

08 ابريل 2023
+ الخط -

لم أكن أعرف ما هو "شوشع" ومن هو، قبل أن أسأل عنه أحد الأخوة في تعليق خاص على صفحتي، والذي بدوره شرح لي قصته، فيما عاتبني آخر على سؤالي واعتبره سخرية من الأقدار دون أن يحاول الفهم.

وبغية معرفة التفاصيل حتى لا أُتهم بالجهل، قمت ببحث مبسّط في موقع فيسبوك فرأيت جحافل من الشباب الجزائري في الشرق، كما في الغرب، تحضر لقاءاته، إلى درجة جلوس المتابعين له في الشرفات والبيوت والأماكن المجاورة للملاعب. وهناك أيضاً جمعيات ولاعبون اشتهروا في السابق وخطفوا أنظار الناس بنجوميتهم، نراهم اليوم يحضرون معه، فضلاً عن تفاصيل أخرى لا يتسع المجال لذكرها هنا. والغريب أنّ من بين المشجعين من يريد إيصاله إلى العالمية! كما أُنشئت صفحات باسمه، تنقل قفزاته وشطحاته وجريه وهرولاته وسقطاته وعثراته وعطساته... إلخ.

سألت نفسي: هل هو حقاً حبّ لهذا الشخص أو لهذه الفئة التي ينتمي إليها "شوشع"؟ والتي تحتاج الاهتمام، ليس في مواقع التواصل فحسب، بل في الحياة الواقعية من خلال إنشاء صندوق وطني خاص ومراكز تعتني بهم وإعطائهم حقوقهم التي تسمح لهم بالعيش الكريم كما يحدث في كلّ الدول التي تحترم حقوق الإنسان، من سكن وعمل وتكوين وضمان اجتماعي وصحة ونقل واحترام...؟ 

ثمّ جاءت قصة القطة التي قفزت بعفوية عن الأرض، وصعدت على صدر الداعية الجزائري، وليد مهساس، في برج بوعريريج شرق الجزائر. احتضنها الإمام وداعبها، في لفتة تحسب له وتبيّن الأخلاق السامية للإسلام الذي يرأف بالحيوان في رسالة ربانية للناس أجمعين في وقت يُضيّق فيه الخناق على الأخلاق الإسلامية، لا سيما أنّ الحادثة حصلت على "المباشر"، وصدرت من حيوان لم يأمره إنسان، في وقت يقضي فيه الشباب أوقاته في الحديث عن مسلسل "الدامة" وتفاصيله، أو البصل الذي لم يعرف سعره ارتفاعاً في تاريخ الجزائر.

في السابق، كان البصل موقع تعيير، يبتعد الناس عن صاحبه ويتعوّذون من رائحته الكريهة...أما اليوم فقد سُمّي العام باسمه (عام البصل)!

قصة "شوشع" من جهة، والقطة من جهة أخرى، جعلتا الكثير من الشباب والشيب يقضون أوقاتهم يبحرون في مواقع التواصل الاجتماعي لنقل أدق التفاصيل عنهما، وعن عدد المشاهدات وتحطيم الأرقام القياسية.

لست أدري ما سبب ذلك، هل هو الفراغ الروحي الذي وصل إليه المجتمع بعد التضييق على أهل الإصلاح؟ أم هي العاطفة الزائدة عن لزومها؟ أم القصتان تحتاجان فعلا إلى كلّ هذه الأوقات وهذه المبالغة؟ أم هو الإلهاء وإشغال الناس لهدر أوقاتهم؟ أم هي أمور لم تكشف بعد نظراً لطول المسلسل؟

يحصل كل هذا فيما فئات كثيرة من الشعب تعيش الظلم والحرمان والاحتقار والتهميش والازدراء، وهناك أيضاً عائلات تبيت في العراء والفقر فيما دماء المسلمين تسيل كالأنهار! وثمّة أوطان محطمة ومناطق محتلة وأموال تتلف وتبذّر، وفساد يستشري، وأرحام تقطع وأخلاق تفسد... نحن نتابع "شوشع" والقطة!

019C4D64-89FE-45B5-8AC1-5DA02BDFB982
019C4D64-89FE-45B5-8AC1-5DA02BDFB982
نورالدين خبابه
كاتب وإعلامي جزائري مقيم في فرنسا، يحلم بمصالحة حقيقية شاملة يتآخى فيها الجزائريون والجزائريات، ثم مصالحة مغاربية، عربية، دولية.
نورالدين خبابه