الضحك لا يموت سريعاً إلا في غزة

الضحك لا يموت سريعاً إلا في غزة

11 أكتوبر 2023
+ الخط -

في عام 2009 صدر كتاب للأطفال بعنوان "أكره اللون الأحمر" وهو نتاج ورشة عمل "رسالة إلى غزة"، والذي كان نوعاً من التضامن مع غزة بعد العدوان الإسرائيلي عليها في عام 2008. 

أشرف على الورشة الكاتب والفنان، عصام حسـن، بالتعاون مع المكتبة العمومية للأطفال في مدينة اللاذقية. وأقيم للكتاب حفل توقيع وتمّ توجيه دعوة للأطفال المشاركين في الورشة كي يحضروا للاحتفاء بهم، والتوقيع على الكتب التي تمّ اقتناؤها من قبل الحاضرين.

الكتاب مقسّم إلى 12 قسماً، وفيه 75 رسالة وجهها الأطفال في مدينة اللاذقية إلى غزة، إضافة للمقدّمة التي اشتركت في كتابتها مجموعة من الأطفال المشاركين في الورشة، والتي كانت بدايتها: "رسالتنا لن تصل بالبريد؛ إنّما الهواء هو ساعي البريد".

نقرأ في قسم "رسالة من طفل إلى بيته في غزة"، للطفلة سارة خليل (13 سنة):

"كم كنت جميلاً وأنت على الأرض،

ولكن أيضاً كنت جميلاً عندما طرت في السماء،

وأنت تطير تذكرتُ عندما حاولت أن أجعل غطاء الطاولة أسود

فحاولت أن أحرقه لكنني لم أنجح، الآن احترق كله".

ولأنّ الأطفال كأزهار الربيع القادم، أصدقاء لأزهار الربيع الماضي، أرسلوا رسالة إلى الأطفال الشهداء في غزة، وبأسلوب من يحترف تجميل القبح.

كتب رامي علي ( 10سنوات)، جاعلاً الموت امتداداً للحلم:

"لما (تكونوا) نائمين وتحلمون

فجأة تظلون في الحلم نفسه إلى الأبد".

وفي رسالة الطفلة علا حميدوش (11 سنة)، يصبح القبر شكلاً آخر لحياة مدهشة وغريبة حلمنا فيها حين كنّا صغاراً:

"هل أنت الآن أيها الطفل شهيد في القبر؟

إني أحسدك لأنك تتكلم مع دودة الأرض والخلد،

مع أصدقائك في القبور المجاورة.

أطمئنك أنّ أمك بخير، فقلبها شفي من الجرح البسيط.

ألا تدري أننا سنطير، ونطير، نحن وكلّ أطفال العالم

حتى نجد كوكب الأطفال الأحرار؟".

وتحت عنوان "رسالة إلى طفل يعيش في غزة"، كتب زكريا سليمان (10 سنوات)، يسأل:

"أسألك؛ كيف طعم القنابل. مرّ أم مالح أم حامض؟

وهل هناك نبتة أو شجرة في غزة لم تحرقها الحرائق؟

إني أسألك لأعرف حياتك هل هي طبيعية؟

هل قُتل بعض الذين أحببتهم، مثل صديقك أو قريبك؟

كم يوماً ستعيش في غزة؟ لأنه طبعاً إن بقيت في غزة

سيقصفونك بالقنابل..

كلّ هذه الأسئلة سألتك إياها حتى أعرف كيف تعيش،

وما طعم القنابل!".

يؤمن الأطفال على عكس كثير من الكبار بقدراتهم على تحقيق المعجزات والخوارق. كتبت مريم سليمان (8 سنوات):

"يا أطفال غزة أنتم صغار

فلتقوموا بعمل خطير!".

أما روز محفوظ (9 سنوات)، فترغمنا على إعادة قراءة ما كتبتهُ أكثر من مرّة بعد أن نصاب بالدهشة:

"أفتش عن شمس بلادي، فأراها مختبئةً خلف دبابات العدو.

أفتش عن ربيعي، فأراه شهيداً. مات البريق في عينيه

قال الطفل لنفسه: لا أفتش عن شمس بلادي إلا في غزة

لا أفتش عن ربيعي إلا في غزة.

والضحك لا يموت سريعاً إلا في غزة،

والرصاص الحاقد لا يحب صدور الأطفال إلا في غزة.

ولكنني أسمع ضجيج أملٍ بسيط في رصاص العدو

وأرى شقائق النعمان تنمو في ربيع غزة

فلن تسقط.. فلن تسقط..".

تحت عنوان "رسالة إلى حمامة السلام"، يعقد ورد حسن (11سنة)، الصفقة الأهم والأجمل مع حمامة السلام:

"مرحبا يا حمامة السلام. كيف حالك؟ هل تأكلين جيداً؟

سوف أطلب لكِ حفنة من الديدان، لكن بشرط واحد،

أن تنشري السلام في غزة".

بالطبع لم ينسَ هؤلاء الأطفال مواساة قلوب الأمهات في غزة، حيث كتبت سها كمال الدين (13 سنة):

"أنا بحبك، لأنك قلب بتخلينا نشعر بغيرنا،

(حابي إتعرّف على اسمك هل اسمك قلب ولا إنتَ الملقب بالقلب؟).

وتقارن سارة خليل (13سنة)، بطريقة لطيفة بين حبة بندورة والقلب:

"كم تشبه البندورة. لكنك لست بندورة،

بل قلب رقيق، لكن يوجد شبه.

أنت قلب أحمر، وهي بندورة حمراء.

يوجد داخل القلب حنان، وداخل البندورة فيتامينات.

قلب الأمهات لا يملكه غير الطفل، يأخذ منه كلّ الحنان

والبندورة يأكلها الطفل بأسنانه ويأخذ الفيتامينات،

وتصبح داخل جسده.

لكن قلب الأمهات يظل ينبض، والبندورة تؤكل وتموت".

لعل الرسائل الأهم في الكتاب هي التي جاءت على لسان الأطفال ضمن قسم "رسالة إلى أطفال العدو".

 نقرأ لـ إنانا صارم (9 سنوات)، رسالة إلى طفل العدو:

"ما رأيك إذا قلتُ لك إن أباك قد قتل

كثيراً من الأطفال مثلك؟!".

أما حيدر فياض (10  سنوات)، فيرى أنّ هناك حلاً لوقف القصف وتفريغ غضب العدو بعيداً عن غزة:

يا أطفال إسرائيل ألا ترون كيف فعل آباؤكم بنا؟

إنّ الأحرف التي هي حجارة ماتت.

والآن كيف سنتكلم إن لم يبقَ لدينا حروف؟

تعالوا معنا، وإذا جئتم سيتوقف آباؤكم عن قصفنا،

لأنهم لا يريدونكم أن تقتلوا.

إذا كان آباؤكم غاضبين، ويريدون (فشّ خلقهم)

فليذهبوا إلى نادي المصارعة الحرة وليصارعوا".

وترى الطفلة ندى سليمان (7 سنوات)، أنّ هناك خطراً على أطفال إسرائيل من قبل آبائهم، فتهمس لهم بالحل لينقذوا أنفسهم:

"هل ترون كيف فعل أهلكم؟!

سأساعدكم لأنكم تحتاجون لمساعدة

كي لا يقضي عليكم أهلكم.

قوموا بالخطة: أولاً تتسللون وتأخذون المال،

وبعدها تركبون بالقطار إلى الخارج ثم تذهبون

إلى سوريا في اللاذقية، ضاحية تشرين عند الغابة.

يكون هناك بيتي، كي تلعبوا معي.

أرجو أن تفعلوا ما قلت لكم،

وإلا ستعيشون حياة بائسة إلى الأبد".

ولم ينسَ الأطفال توجيه رسائل اللوم إلى الحكام واقتراح الحلول من أجل هزيمة العدو، حيث كتب ورد رنجوس (10 سنوات):

"كنت ألعب أنا وحاكم عربي لعبة كرة القدم،

فأدخلت هدفاً في مرماه فأخذ يبكي.

فقلت له: أتبكي على لعبة بدلاً من أن تذهب إلى الحُكّام 

وتطلب منهم الوحدة".

أما روز محفوظ (9 سنوات)، فتقترح حلاً للحُكام من أجل تحرير فلسطين:

"عندي أفكار كثيرة لنصرة الفلسطينيين

وهي أن نتحد مع بعضنا أو يأتي نسر يأخذهم ويطير

أو تساعدهم الجامعة العربية أو القرار الدولي

أو الجنود أو تأتي دبابات كثيرة".

وفي قسم "رسالة إلى المستقبل"، يخبرنا رامي علي (10 سنوات)، عن رؤيته الطفولية المدهشة وسؤاله المحرج للمستقبل:

"أعرف أن المستقبل سيكون إما صعباً أو سهلاً.

السهل سوف تتحرّر فلسطين والكل يكون راضياً

أما الصعب، فستكون غزة محتلة والجميع كئيبين

ولكن هل إسرائيل مستمتعة؟ قل لي أيها المستقبل

فأنا أحتاج إلى جوابك!".

وفي نهاية كتاب "أكره اللون الأحمر"، كان هناك مساحة حرة للأطفال ليكتبوا فيها ما يشاؤون. في تلك المساحة كتب ورد حسن (11 سنة):

"الأحذية جميلة، ومريحة.

 ولكن في بعض الأحيان فقط، وفي هذا الزمان أصبحت موديلات الأحذية متنوعة.

منها الحذاء الجلدي، الذي هو كالقلم من الأمام.

أي له (بوزٌ)، والذي لا أطيقه.

ومع هذا، مهما تنوعت الأحذية سوف تصدر الروائح الكريهة!".

رامي غدير
رامي غدير
مسرحي، لديه عمل مطبوع بعنوان "الرواية"، يكتب في عدد من المواقع والمجلات الإلكترونية، وهو أحد مؤسسي مقهى قصيدة نثر الثقافي في مدينة اللاذقية.