لن يَحترِقَ بيتي هذا اليوم

لن يَحترِقَ بيتي هذا اليوم

30 يوليو 2019
مقطع من لوحة لـ غسان عائب/ العراق
+ الخط -

أُعِدُّ قهوة الصّباح
أَضع الحليب في إبريق
أُشعِلُ مفتاح الفرنِ، أضَعُه في دَرجة متوسطة
وحين أرى رغوة الحليب تَكبر
وتصيرُ كَزبَدِ البحر، أُغلِقهُ
أخلط ملعقة صغيرة من النسكافيه بالحليب
أغادر المَطبخ
وقبل أن أغادر بَيتي أسمع صوتاً
على عادة كل يوم.
صوتٌ لا وَجهَ لَه، لا أُكَلِّمُه
لكِنّهُ يُكلِّمني
صَوتٌ لا يَسمَعُه أَحَدٌ غيري
صوت يشبه مجرماً يضع موسى على صَدغ ضحيته
ويأمره بالامتثال
لحظات قليلة أغادر فيها نَفسي
صوت يَختَرِقُني كُلَّ صباحٍ
كما تَشُقُّ مُديَةٌ بَطنَ شاةٍ
أسمَعُه يَقول:
تأَكّد أن شبكات عيون الفُرن مُطفأة.
تأَكّدتُ
أسمَعُه يَقول
هذه المرة عليك أن تتأكَّد أن مفتاح الفرنِ فعلاً مغلق
أتسَمّرُ بالقُربِ من فرنِ الغاز
أستنشق الهواء حتى يَصِلَ إلى السُرّة
تُمَّ أزفِرُه كما يَفعَلُ سَبّاح
أستَأنِفُ العَدَّ من جديد: واحد،
اثنان، ثلاثة، أربعة
وأنا أَعُدُّ أُتابع حركة إصبعي المصوّبة
على كلمة إغلاق
وعلى العين ألّا تَرمُشَ وإن فعلت أَخطَأت في الحساب
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة
أُربّتُ على فَخِذي بِيدي اليسرى
وأعاوِدُ العَدّ
صوت أذعِنُ لَه في حالات
وأقاومِه عندما يَقترِبُ من الجنون
أحياناً أُخرجُ بؤبؤ عيني وأقربهما من كلمة مغلق
وأقول: لن يَحترِقَ بيتي هذا اليوم
البيت يبدو آمناً حين أغادره
أسمع الصوت يقول لي:
لا تنسَ أن لنا موعداً في المساء قبل النوم
طاب يومك.


* شاعر وأكاديمي مغربي مقيم في أميركا

المساهمون