كل شيء كاذب ما عدا غزة

كل شيء كاذب ما عدا غزة

17 يوليو 2014
ريم يسوف / سوريا
+ الخط -

أروني الجثث، أريد أن أراها كلّها، أريد أن أرى هؤلاء الأطفال أمامي. كانت بسماتهم أقوى من كل إمبراطورية إسرائيل وأصحابها من العرب والعجم. حين كانت تبتسم سهى، كان أبوها يتوقف ليتأمّلها قليلاً، كان يقول لأمها: "أحياناً ينتابني شعورٌ بأنها مسكونة بجن، وكأنّ شيئاً آخر ساحراً يبتسم من داخلها ليغيّر كل العالم من حولها".

الآن قتلت سهى، وتشظى جسمها الصغير. لن تبتسم بعد، سهى لم تعد، أريد أن أرى سهى أمامي، جثة، أريد أن أشتمها كما كانوا يشتمّون الفدائي الشهيد في الماضي. أريد أن أراهم كلهم أمامي، كل هؤلاء الأطفال الشهداء، أريد أن أغذي الغضب لأنفجر.. أو لأبكي، لا أعرف ماذا سيصيبني حينها، لكنني تعبت من أن أبقى بعيداً عن جثث الأطفال وأن ألعب مع أطفالٍ آخرين أحاول أن أبقيهم بعيداً عن الدم. منذ أن ابتدأت هذه الحرب، كل شيءٍ فقد طعمه لا الأكل ولا الشرب، لا الأدب ولا الشعر، ولا الموسيقى، ولا لعب الأطفال. كل شيء فقد بهجته. كل شيء به رائحة تفحم الجثث. كل شيء كاذب ما عدا غزة.

لا تأخذوا مني جثثي، لا تغمضوا عينيّ، هذه الجثث لي أنا الفلسطيني، هذا الجثث لي أنا العربي. هذا الجلد السائخ، هذا الوجه المشوّه، هذا البطن المفغور، واليد التي ظّلت وحيدةً تحت الركام، هذه الجثث كلها لي أنا العربي الفلسطيني، سأحافظ عليها جيداً وسأتذكرها كلها جيداً. وسأرسمها كلما تمكنت.

أروني هذه الجثث، أريد أن أتخيل بأنني أحملها وأجري كالمجنون في جنازة في غزة.


* سينمائي من حيفا

المساهمون