غروزني.. عاصمة الصوفية الوظيفية

17 سبتمبر 2016

مشاركون في مؤتمر غروزني (إنترنت)

+ الخط -
لا يبدو مؤتمر غروزني الإسلامي الذي انتظم قبل أيام دينياً، دوافعه عقدية أو فكرية، أو الهدف منه توحيد المسلمين السنة، لكنه مؤتمر سياسي بامتياز، ومن حلقات الصراع الدولي، وإنْ تحت مظلة دينية، إذ لا تفسير دينياً لمكان إقامته وزمانها، ولا حتى دوافعه وأهدافه ومخرجاته، فضلاً عن جهات تمويله، والطبيعة السياسية للقائمين عليه، وفي مقدمتهم شيخ الأزهر، أحمد الطيب، ورئيس مجلس حكماء المسلمين الذي ترعاه الإمارات، ورئيس مؤسسة "طابة" التي مقرها في أبوظبي، والشريك لمؤسسة راند الأميركية في صياغة مشروع "المسلم المعتدل"، علي الجفري. ولاختيار دولة الشيشان الخاضعة للنفوذ الروسي دلالتان؛ روسية وعربية:
تكمن الدلالة الروسية في رغبة موسكو في التحكّم في هذا التيار الإسلامي (الذي لم ينزعج من استهدافها الشعب السوري)، تبتغي من ذلك امتطاء "الصوفية السياسية"، بعد أن نجحت طهران في امتطاء الطائفة الشيعية لخدمة مشروعها القومي في المنطقة. كما أنّ إقامة المؤتمر في غروزني ينم أيضاً عن رغبة موسكو في تمزيق مكون أهل السنة، وإلغاء الفكر الإسلامي الأصيل الذي انطلق من مكة المكرمة وانتشر في سائر البلدان الإسلامية، وتنوّعت أطيافه وممارساته العمل الإسلامي.
وما تأمل متأمل بتوصيات المؤتمر إلا ورأى هذا التوجّه جلياً، ومنها: إنشاء قناة على مستوى روسيا، توصل صورة الإسلام إلى المواطنين، وتحارب التطرّف والإرهاب. إنشاء مركز علمي في جمهورية الشيشان العتيدة لرصد (ودراسة) الفِرق المعاصرة ومفاهيمها. ويوصي المشاركون مؤسسات أهل السنّة الكبرى (الأزهر ونحوه) بتقديم المنح الدراسية للراغبين في دراسة العلوم الشرعية من المسلمين في روسيا. ويوصون أيضاً أن ينعقد هذا المؤتمر المهم دورياً، لخدمة هذه الأهداف الجليلة، ومواكبة ما يستجد من تحديات، ومواجهتها.
الدلالة العربية أنّ الجهات الداعمة للمؤتمر باتت لا تخشى من توتر العلاقات مع المملكة العربية السعودية، بوصفها المستهدف الأول من هذا المشروع، حتى وإن عقد هذا المؤتمر في أطراف الأرض (الشيشان)، إلا أنّ المتابع بصير. ويظهر مقطع مصوّر، تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، عداء الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، للتيارات السنية، وعدم ارتباط الشيشان بمصالح اقتصادية أو سياسية مع السعودية، ما جعل غروزني المكان الأنسب لإطلاق هذا المشروع، ومن ثم فإنّها ربما تصبح مرشحة لتصبح عاصمة "للصوفية الوظيفية الجديدة"، بحمايةٍ روسية، وبتمويل مؤسسة طابة، ومظلّة أزهرية.
وعلى الرغم من غياب إيران، بوصفها دولة شيعية، إلا أنّ التوظيف السياسي لهذا الحدث المهم كان حاضراً وبقوة؛ إذ تناولت وسائل الإعلام الإيرانية المؤتمر وفعالياته بإيجابية، والوكالات والصحف الإخبارية الإيرانية (الناطقة بالعربية) هي أكثر من تناول أخبار المؤتمر، فقد نشرت وكالة فارس الإيرانية أكثر من خمسة عشر خبراً وتحليلاً، طابعها العام سياسي تحريضي، وتحت شعار "مؤتمر غروزني خطوة كبرى لسحب المرجعية السنيّة من السعودية وربط الإرهاب بالفكر الوهابي"، وهذا ليس عنواناً لخبر صحافي فحسب، بل إنه هدف القائمين على المؤتمر، وهناك شواهد عدة على ذلك في البيان الختامي للمؤتمر:
عنوان المؤتمر "من هم أهل السنة؟"، فهل أهل السنة، بعد أكثر من 1400 عام، بحاجة إلى من يعرفهم بذلك؟ وهل هي حاجة الوقت وأولوية المرحلة؟ لم يُقصَ علماء السعودية ودعاتها من الحضور فحسب، بل أقصى البيان مؤسساتها ومراكزها وجامعاتها الإسلامية، وحتى مدنها المقدسة، وحصر المؤسسات الدينية العريقة عند أهل السنة في: الأزهر والقرويين والزيتونة. هدف المؤتمر المعلن هو الحد من العنف، إلا أنّ محاوره ومفرداته مليئة بالإقصاء الذي هو من أشكال العنف، وكأنّ من صاغه حريصٌ على التفرقة وإذكاء الصراع بين المسلمين السنة، وليس العكس، بل جاء بيان هيئة كبار العلماء في المملكة بشأن مؤتمر غروزني أكثر حرصاً على الوحدة وعدم الانجرار لدواعي الفرقة والاستقطاب.
أريد من المؤتمر إحياء الصوفية "العبثية" التي تسبح في فلك السلطان، إلا أنّ الهجمة والاستنكار الرسمي والشعبي وأد الفكرة وأغلق باب الفتنة. وهناك ملمح آخر بعيد من هذا المؤتمر؛ هو أن ثمّة تغيراً في علاقات من دعم المؤتمر مع بلاد الحرمين (راعية السنة)، بل هو سهم صوّب إلى خاصرة المملكة، ليصب في مصلحة خصومها الدوليين.
12E300C0-9DCB-46BA-AACD-9B4C3CEB1FBC
12E300C0-9DCB-46BA-AACD-9B4C3CEB1FBC
مصطفى الحباب

كاتب سعودي، ومدير مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث في اسطنبول

مصطفى الحباب