عن راهن الأزمة الليبيّة

عن راهن الأزمة الليبيّة

24 يوليو 2014

ثوار ليبيون في بن جواد بعد السيطرة عليها (مارس/2011/Getty)

+ الخط -
تمر ليبيا، هذه الأيام، بأسوأ ظروفٍ عرفتها، من الناحية الأمنية، منذ اندلاع ثورتها في 17 فبراير/ شباط 2011، إذ تشهد حروباً يسميها خبراء محايدون حرباً أهلية، للخروج من مأزق التوصيف الدقيق لطبيعة الأزمة. ولقد عوّدنا هؤلاء على إطلاق وصف الصراع "العربي ـ الإسرائيلي" على كل جرائم العدو المحتل لفلسطين، ليظهر الفلسطيني متساوياً مع الإسرائيلي.

وهذا النوع من التوصيف لا يعنينا كليبيين، لأننا، ببساطة متناهية، نراها حرباً بين فسطاط ثورة فبراير، بكل أخطائه البشرية ونَزَقه وتهوّره، وتيار الثورة المضادة بصَلَفها ومالها الخليجي ودعمها الإقليمي، ومحاولة إفشال ثورة الشعب الليبي.

بدأت الحرب الأولى على يد جنرال متهوّر، فشل في كل الاستحقاقات العسكرية عبر تاريخه الانقلابي، ونجح في الحصول على الجنسية الأميركية، وفي التصويت في استحقاقين انتخابيين أميركيين، عامي 2008 و2009. وادعى الجنرال المتمسك بالسلطة، خليفة حفتر، أنه جاء كمسيح لإنقاذ شرق ليبيا وكبرى مدنه من المتطرفين الإسلاميين، إلا أنه شن حربه على كل مَن اصطفّ في معسكر فبراير، أيّاً كان رسمه أو وصفه أو دوره فيها، مدنياً أم عسكرياً أم إعلامياً.

لا يبدو أن حلفاء حفتر في بنغازي، وخصوصاً قوات الصاعقة، قادرون على مواجهة مسلحين لديهم خبرة جيدة ميدانياً، في إدارة المعركة، وحصولهم على مخزون من الأسلحة يكفيهم شهوراً في معركتهم مع حفتر، بعد استيلائهم على أكبر معسكرين للصاعقة في بنغازي، في معركةٍ لم تستغرق سوى ساعات، لتسقط بالتالي تلك الهالة التي أحاطت بها القوات الخاصة نفسها منذ الثورة الليبية.

من ناحية أخرى، لا يستطيع الغرب الأميركي ـ الأوروبي أن يظهر الفجوات والازدواجية المعهودة له في الشأن الليبي، فلا يستطيع، على الأقل في الوقت الراهن، إدانة عملية "فجر ليبيا" في طرابلس، بقيادة ضابط الجيش السابق وعضو البرلمان الليبي المستقيل، صلاح بادي، في وقت لم يدن فيه بصورة مباشرة عمليات حفتر، فأسباب عملية طرابلس التي يقودها صلاح بادي لا تقل وجاهة عن أسباب عملية الكرامة التي يقودها حفتر.

مرجح أن يبقى الموقف الغربي على حاله، مطالباً فقط بدعم العملية السياسية، ودعوة مجلس النواب المقبل للانعقاد، وتشكيل حكومة وطنية جديدة، وتقديم الدعم المعنوي لهيئة الستين المنوط بها كتابة الدستور، ولن يتطور إلى التدخل العسكري المباشر. ولعل موقف مجلس الأمن، أخيراً، من طلب وزير خارجية حكومة تسيير الأعمال، محمد عبد العزيز، التدخل العسكري في ليبيا خير شاهد على ذلك.

فالدول الكبرى في المجلس ترى أن الطلب جاء لحماية قبيلة تسيطر على حكومةٍ ينتمي إليها الوزير، وهي دول ليست معنية بحماية القبائل، قدر اهتمامها برعاية المصالح، كما أن هذه الدول تجهل عواقب التدخل العسكري، السياسية والأمنية، على ليبيا، لكنها تعي تماماً مخاطرها على أمن الطاقة الأوروبي، وعلى أمن دول الطوق المحيطة بليبيا، العربية والأفريقية.

من المهم الإشارة إلى أن الإجراءات الديمقراطية، المتعلقة أساساً بالانتقال السلمي للسلطة في ليبيا، لن تكون، في حد ذاتها، المخرج الرئيس من أزمةٍ يعي المحللون وخبراء الشأن الليبي
أنها أزمة عدم وجود قنوات حوار واتصال حقيقية بين الأطراف الليبية المتصارعة، في ظل تدخل إماراتي ـ سعودي سافر، على خط دعم تيار الثورة المضادة، الهادف إلى إعادة تشكيل مشهد سياسي ليبي خال تماماً من الإسلاميين، ومن التيار الوطني المتشدد، إن جاز هذا التعبير.

فلقد شهدت ليبيا، بعد ثورتها، انتخابات برلمانية ودستورية وبلديات ومحلياتٍ، لم يسعف الوعي الشعبي فيها اختيار ممثليه بطريقةٍ لائقة، وهو وعي صنعت منه سنوات معمر القذافي العجاف رفضاً لأصول اللعبة السياسية، وفي مقدمتها الأحزاب. ففي ظل وعي شعبي كهذا، لا يرتقي إلى مستوى التحديات الداخلية والخارجية، لن تساعده إجراءات الدمقرطة من دون حقائقها في بناء مستقبله.

فالاتفاق، أولاً، على قواعد اللعبة، وتهيئة الملعب السياسي، عبر حوار طويل، تضع فيه كل الأطراف سلاحها جانباً، هو ما تحتاجه ليبيا في الفترة الراهنة، وهو أمر، في نهاية المطاف، لا يعتمد فقط على الثقة المتبادلة وحسن النوايا بين أطراف النزاع، بقدر ما يعتمد على بناء الثقة داخل بيت كل طرفٍ من أطراف الحوار.

فالتيار المدني، أو الثورة المضادة، أو تحالف محمود جبريل، ليست لديه بنود عمل مشتركة، وحلول توافقية، بشأن الأزمة الليبية، على الرغم من التحالف الظاهر والتقاطع الأكيد بين مصالحهم المختلفة، نتيجة لتعدّد الزعامات السياسية، واختلاف رؤى كل فصيل، بحسب المصالح المتنازع حولها.

أيضاً، تواجه تيار السابع عشر من فبراير أزمة خطيرة، تتمثل في ما يمكن تسميته الفصام النكد بين مكونه السياسي والأجنحة المسلحة التي تقف معه في المربع نفسه. فهناك اتفاق عام على حماية ثورة فبراير من الثورة المضادة، لكن العلائق بين الطرفين ما زالت تعتمد على الدوائر المستديرة وطاولات الحوار، من دون بروز، أو بالأحرى، التسليم لعقل سياسي، كرأس حربة يدير المعركة وقت السلم وحالة الحرب.
A8212A5E-4B14-470D-B474-5D3D429C326F
هشام الشلوي

صحفي ليبي، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة بنغازي عام 1995، باحث في مركز العين الليبي للإعلام والصحافة والدراسات.