راضية العابد... نكبة في فلسطين وأخرى في لبنان

راضية العابد... نكبة في فلسطين وأخرى في لبنان

20 اغسطس 2020
تحلم بالعودة إلى بلادها (العربي الجديد)
+ الخط -

كانت الحاجة راضية العابد، المتحدّرة من بلدة صفورية في قضاء الناصرة في فلسطين، في الخامسة من عمرها عندما تركت بيتها مع أمها وأبيها وأشقائها الأربعة. تقول: "منذ النكبة، الوجع لا يفارقني. سمعت زوجة أخي تقول لأمي: قومي نترك المنزل، إسرائيل تقصف. حينها شعرنا بالخوف، وهربنا بين أشجار الزيتون، وكان الطيران الإسرائيلي يقصف بيادر القمح. استشهد شخصان في صفورية في ذلك القصف. أخيراً، وصلنا إلى منطقة رميش في جنوب لبنان، لكن القوى الأمنية لم تسمح لنا بالدخول إلى البلدة إلا بعد مراجعة المحافظ، فقد وصلنا مساءً".
تتابع: "انتظرنا في بلدة رميش حتى الحادية عشرة ليلاً. وأثناء الانتظار، قدم لنا الأهالي الخبز والزيتون والتين المجفف، إلى أن طلبوا منّا مغادرة المنطقة. بعدما طُلب منا ترك البلدة، احترنا في أمرنا، والوقت كان ليلاً. لم يكن أمامنا غير التوجه نحو منطقة يارون الجنوبية". تقول: "مكثنا فيها خمسة أشهر، ثم توجهنا نحو منطقة بنت جبيل (جنوب لبنان)، ومن هناك إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين (جنوب لبنان)، وسكنا في الشوادر مدة طويلة. كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تقدم لنا الطعام وهو عبارة عن عدس. هبّت عاصفة قوية اقتلعت الشوادر التي كنا نعيش فيها، فصار الناس يتمسّكون بشوادرهم خوفاً من المطر".
تضيف: "عندما خرجنا من فلسطين تركنا كل ما نملك، حتى الملابس. لذلك، كان لا بد من البحث عن عمل من أجل تأمين قوت يومنا، وكانت أمي هي من تعمل". 
في لبنان، "كنا نعيش من قلة الموت. لكن في فلسطين، كنا نعتاش من الأرض". في البلد الذي لجأت إليه، اضطرت للخروج إلى العمل في الحقول والبساتين. عملت في قطاف الزيتون، واللوز، والتين، والحامض، والفول، والبامية منذ كانت في العاشرة من عمري. "بدأت رحلة العمل مع أمي، وبقيت سنتين في المدرسة، ثم تركتها من أجل العمل. كنا نشتري التمر لنأكله خلال العمل".

تقول العابد: "تزوجت وأنا في التاسعة عشر من عمري. سكنت بداية في مخيم عين الحلوة، وزوجي كان يعمل في مرفأ بيروت، فقررنا لاحقاً الانتقال للعيش في مخيم تل الزعتر (شرقي بيروت)".
سكنت في مخيم تل الزعتر مدة 15 سنة في تخشيبة مع أولادها. لاحقاً، اشترت منزلاً صغيراً في المخيم، لكنها تركت المخيم خلال الحرب. "حين سقط مخيم تل الزعتر (خلال الحرب الأهلية اللبنانية) كنت أعجن. دخل بعض الشباب يطلبون أرغفة من الخبز، إلى أن جاءني ابني مسلحاً وطلب مني الخروج من المخيم، وأعطاني بعض الرصاص، وقال لي إن أخرجها معي بعدما أخبئها. لكنّ ما إن وصلنا إلى مكان وجود المقتحمين حتى طلب مني التراجع والعودة إلى البيت. وعندما وصلنا إلى البيت خبأ الرصاص، كما وضع سلاحه في كيس العدس. سألته عن السبب، فقال: ربما نعود، ونستخدمه، ثم خرجنا".
تضيف العابد: "كانت المشاهد التي رأيتها قاسية. القتلى على الطرقات، وكان أحد العناصر المسلحة قد حاول التهجّم علي وعلى أولادي. وخلال توجهنا نحو منطقة الكرنتينا (بيروت)، خطفوا مني ابني الذي كان يبلغ في ذلك الوقت أربعة عشر عاماً. رفضت أن يأخذوه فسحبوه بالقوة. ركضت خلفهم، وكنت أطلب منهم أن يتركوه. لكن ابني طلب مني التراجع ولم يعد حتى اليوم. فيما استشهد ابني الأكبر في الجبل". 
بعد ذلك، توجهوا نحو منطقة الدامور (قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان) لبعض الوقت. ورجعت العائلة إلى عين الحلوة، حيث توفي زوجها . "كان أولادي صغاراً فعملت بالزراعة والقطاف في المواسم حتى أربيهم وأتدبر شؤونهم".
عام 1982، اجتاح العدو الصهيوني لبنان فنزحت نحو سورية، وعاشت فيها مدة سبعة عشر عاماً. "كنت أطرّز وابنتاي لنعيش، ثم عدت إلى لبنان وبقي ابني وابنتيّ هناك. ابني الثالث قُتل في مخيّم عين الحلوة والرابع أصابته رصاصة في وجهه فخسر عينه. وما زلت أكافح في هذه الحياة. اليوم، أعمل في بيع الزعتر وغيرها من المؤونة للعيش، عسى أن أرجع يوماً إلى فلسطين".

المساهمون