المبالغة... قمة الأمل في نواكشوط؟

المبالغة... قمة الأمل في نواكشوط؟

09 يوليو 2016
+ الخط -
تُعقد قمة عربية جديدة في نواكشوط يومي 25 و26 يوليو/ تموز الجاري، كان من المقرّر أن تستضيفها الرباط أواخر مارس/ آذار الماضي، لكنها اعتذرت "لعدم توفر ظروفٍ موضوعيةٍ لنجاحها"، فكان أن انتقل مكانها إلى موريتانيا التي رحبت بالاستضافة. إذا عقدت القمة في مكانها وزمانها المعلوميْن، فسوف يوفر ذلك فرصة إعلامية جيدة لهذا البلد، لكي يخرج من "عزلته"، وتسلط الأضواء عليه. وبطبيعة الحال، فإن البلد المضيف معنيٌ بنجاح هذه المناسبة، علماً أن موريتانيا تستضيف القمة العربية أول مرة، وسوف تستفيد من الخبرات التنظيمية لجامعة الدول العربية، ولعدد من الدول الأعضاء، في تنظيم مؤتمراتٍ كبيرة، بالإفادة من هذه المناسبة.. وهذه من نتائج جانبية للحدث.
نسب الموقع الإخباري "موريتانيا اليوم" إلى "أوساط عربية" قولها إن القمة سوف تتخذ "قراراتٍ قوية غير مسبوقة، تتعلق بتشكيل قوة عربية مشتركة"، على الرغم من أن التقرير يتحدث عن ست دول عربية تؤيد هذا التوجه القديم المتجدّد، مصر والسعودية والجزائر وتونس وموريتانيا السودان. كما تتعلق القرارات المزمعة، حسب الموقع الموريتاني، بالطلب إلى مجلس الأمن اعتماد قرارٍ يجيز استخدام القوة، للقضاء على التنظيمات الإرهابية في بعض الدول العربية، مثل سورية والعراق وليبيا، علماً أن الحملة العسكرية الجوية للتحالف الإقليمي الدولي قائمة ضد التنظيمات الإرهابية، خصوصاً ضد "داعش" في سورية والعراق، وبدرجةٍ أقل في ليبيا. مضى على الحملة أزيد من عشرين شهراً، وقد انضمت تركيا وروسيا إليها، وما يُعيق أن تتمتع بنجاعةٍ أكبر ليس عدم صدور قرار من مجلس الأمن، بل ضعف الإرادة السياسية والعسكرية لتنظيم حملةٍ شاملةٍ برية وجوية، غير أن تقرير "موريتانيا اليوم" لا يُجانب الصواب، حين يتحدّث عن طغيان الهاجس الأمني، وعن انشغال القمة المنتظر ببحث التهديدات المتزايدة التي تشكلها تنظيماتٌ إرهابية، وفي ضوء تزايد عدد الدول العربية المستهدفة بهذه التهديدات. وواقع الأمر أن أحداً لا يشكّ بمدى التنسيق بين الدول العربية بشأن مكافحة الظاهرة الإرهابية، علاوة على أن وزراء الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية هم الطرف المنوط به وضع الخطط لمكافحة الظاهرة. وعليه، فإن القمة إذا ما تيسر لها الانعقاد، كما هو مقرّر، سوف تصادق على ما هو جارٍ ومتبع في التصدّي للظاهرة الإرهابية، والتنسيق على أوسع نطاق بهذا الخصوص، ما لا يضيف جديداً إلى واقع الحال العربي.
أما القوة المشتركة فدونها خلافاتٌ سياسيةٌ، وتباعد في الرؤى بشأن "عسكرة السياسة"، وحاجة بعض الدول إلى اتباع سياسة النأي بالنفس عن أي بؤرةٍ ملتهبة. علماً أن واقع الحال يُثبت وجود مستوياتٍ ملحوظةٍ من عمل جماعي عسكري، كما هو الحال في "درع الجزيرة"، وكذلك المشاركة في التحالف الدولي ضد "داعش"، والتحالف العربي المنضوي في حملة عاصفة الحزم في اليمن. فيما تتعاون دمشق عسكرياً مع إيران وروسيا ومليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، فيما تستعين بغداد بقادة عسكريين من الحرس الثوري الإيراني، يظهر من بينهم قاسم سليماني وهو يدير المعارك. هذه الأشكال من "التعاون العسكري" مرشحةٌ للاستمرار، ما دامت الأوضاع على ما هي عليه، وهي تثبت أن الجهود الحربية والتوجهات العسكرية امتداد للسياسة.
أطلقت الأمانة العامة الجديدة لجامعة الدول العربية، برئاسة أحمد أبو الغيط، على القمة المزمعة
"قمة الأمل"، وهو عنوان طوباوي يُجافي الواقع، كما أنه يتنافى مع قواعد العمل السياسي الجدّي الذي يُحسن تسمية الأشياء بأسمائها، وحيث تحلّ الواقعية محل الرومانسية السياسية. وكان المرء يتمنى لو كان هناك أمل مرئي وملموس، يُسوّغ منح هذا النعت للقمة العتيدة، علما أن التباينات العربية لا تترك كبير مجالٍ لتفاؤلٍ مفرطٍ لا صلة له بالواقع، فمواجهة التحدّي الإسرائيلي الدائم تكاد يختفي عن الأجندات العربية، باستثناء التهليل لمبادراتٍ دولية (فرنسية)، على الرغم من أن المبادرات تصطدم برفضٍ إسرائيلي، ولا مبالاة أميركية، ما يجعلها ميتةً سريرياً. ومكانة الكيان الإسرائيلي دولياً التي سبق أن اهتزّت نتيجة الحرب على غزة، والإمعان في الغزو الاستيطاني، باتت تُستعاد، وتُحرز تل أبيب مجالاتٍ جديدةً للتحرك دولياً، خصوصاً في إفريقيا، حيث التقى بنيامين نتنياهو، في الأسبوع الماضي، زعماء ست دول إفريقية، إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وزامبيا وجنوب السودان، تحت عنوان إقامة مشاريع استثمار، ومكافحة الإرهاب التي تجمع تل أبيب بدول العالم، ومنها دول عربية، باعتبار أن "الاحتلال ليس إرهاباً" (!)، وأن مضي 49 عاماً عليه ليس فترة طويلة تثير القلق.
وبشأن إيران التي تهدّد الأمن القومي الجماعي، فإن دولاً عربية، من أبرزها لبنان وسورية والعراق، إضافة إلى تيارات حزبية تقليدية، لا ترى هذه التهديدات، وتُنكر وجودها، ما دامت مصالح هذه الدول والتيارات متساوقةً بصورةٍ، أو بأخرى، مع الجانب الإيراني. ولن تضيف القمة جديدا في هذا الشأن، بعد ان أرست طهران قواعد من مصالح لها، متشابكةً مع مصالح أطرافٍ عربية، فيما بعض المعترضين على السياسات الإيرانية يكتفون بقدرٍ من الاعتراض الدبلوماسي والإعلامي، من دون الانخراط في موقفٍ جماعيٍّ جدّي، يقيم سداً منيعاً أمام المطامح غير المشروعة لطهران.
ويبقى موضوع التهديدات الإرهابية الذي يحظى باتفاق واسع، خصوصاً بما يتعلق بتنظيم داعش، وإن كانت هناك خلافات حول من يكافح "داعش" حقاً ويمنحه أولوية، وهناك تباينات حول أطرافٍ أخرى، جرى تصنيفها إرهابية، فإن هذه التباينات مرشحة للاستمرار في الأمد المنظور، إلى أن يجري وضع حل سياسي فعلي للأزمة السورية، بما يضع حدّاً للأجندات المتضاربة. وفي واقع الأمر، إذا قيّض للقمة المقبلة أن تعرف التقاءً في وجهات النظر حول الحل المنشود الذي يضع حدّاً للمحنة المهولة التي يتعرّض لها الشعب السوري، فإن ملفاتٍ عديدة سوف تشهد فكفكةً وانفراجات، والأمر منوط بتفاهمات أميركية روسية، يكثر الحديث عنها هذه الأيام، وقد يتم إحاطة القمة بها، بما يسهم في تقريب المتباعدين.