الكُمثرى المُثَلّثة

الكُمثرى المُثَلّثة

18 اغسطس 2015
لوحة للفنان الفلسطيني إسماعيل شموط
+ الخط -
الشاعر بقلمه


كان نحيفاً كالخيطِ المبْرومْ
ثخين الوجه
وغير حليق الذقن.
ثلاثُ ليالٍ وسريري تحته يهتز
واللون الزهري يتدلى على الجدار
أما الشفتان
فقد كانتا تعجانِ، دونما اكتراث بالدخان وتلتهبان.
مرحباً – قالها بصوته الأجش
مرحباً يا شعراء روسيا
مرحباً
هل أعطيكم مسدسات؟
أم أن الأفضل أن أعطيكم شفرات؟
وأنتَ
هل ترى نفسك، حقاً، عبقرياً؟
عليك، إذن، في مثل هذي الحال
أن تكون مستهتراً بالفوضى
وعليك، ربما، أن تُعلن التوبة.
أما أنا
فعليَّ أن أُبَلّلَ الجريدة باللُعاب.
وبعدها بدقيقةٍ
ألفُّ النقد الذاتيَّ
مثلما تُلفُّ سيجارةُ اللفِّ
أما أنتِ
فما الذي يضحكُ الذي معك؟
لماذا يضحك أمام عينيَّ
ولماذا يقيسُ رقبتي؟
متهدل الجفنين
يغمضُ عينيه من دخان سجائري...
لتحذروا مني لتحذروا!
النجدة! SOS


اقرأ أيضاً: توقّف.. أيها القائد الأعمى


هواء

الهواءُ
يتنزّه الهواءُ مَرِحاً في صالة عرضٍ لعشاق الموضة
أما المشنوقون
فيسقطون للتو عن حبل الإعدام.
أما كلب الصيد
فيلتصق بالسقف
كخرقة عاملة النظافة.
هواء الحريّة
يا هواء الحرية!
يا هواء العاهة!
لقد كنتَ في بيتربورغ
وكنتَ تبتعدُ مسرعاً
ولهذا،
لم ألحظك أيها الهواء.

2001

شارعٌ ضبابيٌّ

ضاحيةٌ مُضَبْضَبَةٌ كالضباب،
كزورقٍ على ضفاف نهر
كرجال الشَرِطة.
ضبابٌ.. ضباب.
أي عصرٍ هذا؟ وأي قرن؟
كلُّ شيءٍ، وأيُّ شيءٍ
صار إلى أجزاء.
حتى لكأنَّ الناس صارت بددًا
وصرتُ أنا الذي يهذي
والأكثر صدقاً –
صرتُ أتخبّط في قطنٍ مندوف.
الأنوف،
أضواء السيارات الجانبية،
والشارات التي على القُبعات،
كل منها، - كما في الخِدعِ – صار اثنين.
هل هذي ورطةْ؟
أم أن الرأسَ، كأنَّ الرأس، لا يتبدل!
حتى لكأنَّ المرأة، تلك التي أحببت،
من تركتْ، للتو، شفتيَّ
صارت اثنتين،
وما أن بُعِثتْ، على نحو ما،
حتى صارت من كانت لك،
غريبة، أيضاً، عنك.
فيا أعمدة الطرقات،
ويا أيها العابرون
أنا فزعٌ من هذا
وهل هذي فينوس؟
أبداً،
هذه بائعة البوظة!
وهل هؤلاء أصدقاء؟
آخٍ، يا لهذه البحيرات الجافة!
إني اتعثرُ
أتَرَنحُ
أحيا.
إنه الضبابُ، الضباب
ضبابٌ، حتى لكأنك لا تعرف،
رقبة من هذا الذي تضرب!
هيه، يا هو!
ضبابٌ.. ضبابٌ
ضبابٌ ولن ينقشع!

1958

هدوء!
الهدوءُ
كُلُّ ما أريده الهدوءْ.
ألِأنَّ الأعصاب في احتدامٍ، يا ترى،
كل ما أريده الهدوءْ؟
الهدوءُ
كلُّ ما أريده الهدوءْ.
من أجل أن ينزاح عن خدودنا
كأنه البلاهةُ
ظلُّ الصنوبر البارد،
من أجل أن يمتدَّ فوق الظهرِ كلّه
وحتى البنصر الهدوءْ.
كل ما أريده الهدوءْ.
هدوءًا!
فما هو الاسم الذي سأعطيه لهدبيكِ
وهما يمتدان؟
وما الإدراك؟
ما دامت الأصوات، كما تبدّت، دائماً، كتيمة.
هل الإدراك أن يكون الصمت والهدوء.
فالجلد، حتى الجلد، مثلما الإنسان، غالباً، يمتلك الإحساس والأصوات،
واللمس عنده، تماماً، مثلما الموسيقى
مثل غناء العصفور للآذان.
وأما أنتمْ
أيها الثرثارون،
كيف تعيشون في المنخفضات الموسكوفية؟
أشايٌ، ثانيةً، في الأروقة
وقت النفير العام في العمل؟
الضابحون، أبداً،
لم يصرخوا: هدوءًا!
ونحن من يغوص في أشياء أخرى،
في مسار الطبيعة المجهول،
صرنا نعرف من رائحة الدخان
أن الرعاة قادمون، وأن المساء قد حلَّ
وأن الحساء سوف يغلي،
وأنهم يدخنون صامتين كالظلال
وأن ألسنة الكلاب
تقدح كالقداحات.

1964

عن مايكل أنجلو

الغِبطةُ – هي أن أنام ولا أرى سوءات الأيام
أن لا أرى عيوبكم
وما يخجل من أفعالكم.
الغبطة – أن أنام
في حَجَريةٍ منسيّةٍ مهجورة.
أيها العابرُ!
هسْ
إياك أن تحاول إيقاظي!

****
شَعْرُكِ طويلٌ، على غَرَابةْ.
وأنتِ لستِ صديقةً، كلا، ولا أختاً..
أعطِني
ثلاثة كيلومترات من زمنكِ السحريِّ
من آربات* إلى الثانية صباحاً.
فأنت، تنتمين إلى سحابة أجمل نساء المعمورة
وما دام كل شيءٍ في الحياة يجري دونما حدود،
سيظلُّ الفجر يشع بين أكتافنا
من سنتمترٍ واحدٍ إلى ألف عام.
إن قبعتَكِ الرماديّة
مثلُ فُسْتقٍ مشويٍّ،
مشقوقةٌ من طَرَفٍ قليلاً
مثل منقارِ مُتَرَبصٍ
مثل خشخشة حياتك
في البَوْنِ
ما بين دانتي وجسر كييف.

1980

****
نحنُ كتبنا التاريخ
بالفؤوس لا بالأقلام
وأعْدنا، كم أعدنا، بناء قُرى وبيوتاً
وكم فوّحنا رائحة الخشب في واجهات البيوت.
وكم فاحتْ الرائحةُ
في هياكل الأبراج والخيام.
وكم أخذنا بتلك الفؤوس
بيوتاً عامرة!
زعزعِ البنيانَ، إذنْ، من أساسِهِ!
زعزع البنيانْ.
واطرقِ الحديدَ وهو حامٍ.
فنحن، لم نقل بَعْدُ،
كلمتنا الأخيرة.

1959

* شارع معروف في موسكو، وجسر كييف أيضاً.

(اختارها وترجمها عن الروسية إبراهيم الجرادي)

المساهمون