العسكر هم الحل وليس الديمقراطية!

العسكر هم الحل وليس الديمقراطية!

05 ديسمبر 2018
+ الخط -
على الرغم من أن الإسلام هو دين الدولة، وهو إما مصدر التشريع أو واحدٌ من مصادره، كما نصت عليه دساتير معظم الدول العربية، فإن هذه الدول، مجتمعة، ليست دولا دينية، ولا تُحكم وفق قواعد أو مبادئ دينية. وبطبيعة الحال، ليست دولا مدنية، لا تحكم وفق قواعد أو مبادئ مدنية ديمقراطية.
وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي هو هوية المجتعات العربية، ومُشترك ثقافي ووجداني بين الشعوب العربية، فإن الهوية السياسية للدولة العربية ليست هوية دينية، بل إن جميع هذه الدول، باستثناء موريتانيا، لم تلحق صفة "الإسلامية" باسمها، حتى أن الدولة التي قامت على الأرض، حيث مهبط رسالة الإسلام، ومركزه الروحي، وهي السعودية، فضّلت صفة العربية على الإسلامية. وللمفارقة، اختارت دول غير عربية، وتنتمي، قبل دخول الإسلام إليها، إلى ديانات وعقائد شرقية قديمة، مثل إيران الفارسية وباكستان ذات الجذور الهندية، اختارت الإسلام صفة لاسمها، وهوية سياسية لها.
وإذا كان الحكم في هذه الدول العربية ليس دينيا، وهذه الدول لم تختبر الحكم الديني، وما يُعرف بجماعات أو أحزاب "الإسلام السياسي" لم تصل إلى الحكم في الدول العربية، باستثناء التجربة القصيرة لحزب الحرية والعدالة الذي ولد على عجل من رحم جماعة الإخوان المسلمين المصرية بعد ثورة 25 يناير، والذي وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع في أول انتخابات بعد الثورة المصرية في يونيو/ حزيران 2012، وخرج أو أُخرج من الحكم عبر انقلاب عسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، من دون أن يُمنح هذا الحزب الفرصة كاملة للفشل أو 
النجاح، وأيضا تجربتي حكم محدود لحزبين بمرجعية إسلامية في الأردن والمغرب، تمكّنا من تحقيق المرتبة الأولى في برلماني البلدين، وتشكيل الحكومة في البلدين في فترات زمنية مختلفة. والتجربتان، على الرغم من محدودية هامش القرار الذي تمتعتا به مع وجود "القصر الملكي"، إلا أنهما قدمتا مثالين يمكن البناء عليهما لتطوير ممارسات حكم تداولية سلمية في الدول العربية، الملكية والجمهورية على السواء، وبصرف النظر عن المرجعيات الأيديولوجية للأحزاب والجماعات السياسية المتنافسة. (تجربة حزب النهضة في تونس بعد ثورة 14 يناير لا تزال في مرحلة المراجعة، ويصعب قياسها أو الحكم عليها).
إذن، هذه الدول العربية، ومنذ رحيل الاستعمار، وقيام ما يمكن وصفه تجاوزا بالدولة الوطنية العربية، لم تحكم حكما دينيا، حتى يمكن لبعض النخب الثقافية العربية تعليق الفشل العربي عليها، أو الاصطفاف خلف القوى التي تحارب الأحزاب والجماعات ذات المرجعية الدينية الإسلامية.
في الجلسة الأخيرة للدورة الخامسة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي عقد في الدوحة (1- 2 ديسمبر/ كانون الأول) الجاري، أعلن الكاتب والأكاديمي الكويتي، محمد الرميحي، أنه يُفضّل الفاشية العسكرية على الفاشية الدينية، لأنه يسهل، من وجهة نظره، محاربة الأولى، إنما من المستحيل محاربة الثانية. لا أحد يمكنه تخيل كيف يمكن محاربة من يمتلك القوة العسكرية ويتحكّم فيها، وإخراجه من الحكم. والثورة (مثل ثورة 25 يناير المصرية) لا تحدث كل عام، ولا حتى كل عشرة أعوام!
وإذا كان رفض الفاشية الدينية مفهوما من كاتبٍ عرفت عنه مواقفة الليبرالية ومطالبته الدائمة 
بالإصلاح الديمقراطي، وقيام دولة المواطنة، وهي مطالب يتفق فيها معه قطاعٌ عريضٌ من النخب الثقافية العربية، فإن تفضيل الفاشية العسكرية هو ما أثار الاستغراب من مثقفٍ بحجم محمد الرميحي، وكأن الرجل يقول إنه لم يعد أمام الشعوب العربية سوى الاختيار بين "العسكري" و"رجل الدين".
وبصرف النظر عما إذا كان في وسع الشعوب العربية، أساسا، الاختيار بين فاشيتين، فإن الثابت، عربيا، ومنذ ما عُرفت بـ"ثورة أحمد عرابي" في مصر ضد الخديوي توفيق (1879-1882)، أن الفاشية العسكرية هي التي تحكم البلدان العربية، مباشرة أو عبر واجهات مدنية، والثابت أيضا أن كل الفشل العربي (التنمية والاقتصاد والتعليم والمعرفة.. إلخ) مسؤول عنه هذه الفاشية وحدها التي يُفضّلها أحد "رموز التنوير في منطقة الخليج العربية".
الدولة العربية اليوم تحكمها فاشية عسكرية - أمنية؛ من بوابات القصور إلى أبواب المدارس، مرورا بالهيئات والإدارات المدنية المختلفة، وصولا إلى خطاب بعض النخب الثقافية والأكاديمية العربية: فالعسكر، وفقا لهذا الخطاب، هم الحل وليس الديمقراطية، وبالطبع ليس الإسلام!