التنمية وحقوق الإنسان في المغرب

التنمية وحقوق الإنسان في المغرب

29 سبتمبر 2014
+ الخط -

تميزت سنة 2005 في المغرب بإطلاق الملك محمد السادس مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خريطة طريق للمساعدة على معالجة الاختلالات الاجتماعية التي أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار المغرب، على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

وتمتد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي رصدت لها الدولة المغربية كمرحلة أولى،  خمس سنوات (2006-2010) غلافاً مالياً ناهز 10 مليارات درهم، بمعدل 2.5 مليار درهم سنوياً، واعتمدت فيها مقاربة تشاركية، تسمح بانخراط كل الفاعلين، حكومة ومجتمعاً مدنياً ومنتخبين، لم تكن خياراً إراديا للدولة، بل أملتها سياقات وطنية وأخرى دولية.

على المستوى الوطني، لوحظ أن خطاب الملك محمد السادس في 18 مايو/أيار 2005،  جاء بعد سنتين على أحداث 16 مايو/أيار الأليمة التي هزت مدينة الدار البيضاء، وخلفت وراءها ضحايا أبرياء عديدين، وكشفت بالملموس أن الوضع الاجتماعي في المغرب قابل للانفجار في أي لحظة، بحكم هشاشته، وبحكم ارتفاع مؤشرات الفقر والبؤس والعوز، كما أشارت إلى ذلك بحوث المندوبية السامية للتخطيط.

وجاء الخطاب الملكي، أيضاً، في سياق وطني بلغ فيه الاحتقان الاجتماعي إلى درجة قصوى، بفعل تزايد وتيرة الحركات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي في مجموعة من المدن. على المستوى الدولي، جاء إعلان مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، عقب صدور تقارير دولية صادمة نبهت إلى خطورة الوضع الاجتماعي في المغرب، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج سلبية، تضر باستقرار هذا الوضع.

وبغض النظر عن السياقات الوطنية والدولية، والتي قد تكون عجلت بإطلاق مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن إعلان الألفية، وإعلان الحق في التنمية، اللذين صادق عليهما المغرب، إلى جانب العهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تشكل مواثيق دولية ترتب التزاماً دولياً على المغرب، بحكم التصديق عليها، ما يعني أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حينما تستهدف التصدي للعجز الاجتماعي، وتشجيع الأنشطة المنتجة للدخل والمدرة لفرص العمل، والاستجابة لحاجيات الأشخاص في وضعية صعبة، تكون قد لامست قضايا جوهرية، تحيل على العلاقة بين التنمية البشرية وحقوق الإنسان.

العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية شبيهة، إلى حد كبير، بعلاقة الروح بالجسد، فمن المستحيل أن تتحقق التنمية في مجتمعٍ، لا يعير اهتماماً لحقوق الإنسان. وتستمد هذه العلاقة حيويتها من أن الهدف الأسمى للجهود التنموية هو تحقيق الرفاه الاجتماعي، والذي لن نصل إليه، إذا أهدرنا كرامة الإنسان وآدميته وضيقنا هامش الحرية التي ينعم بها كحق طبيعي له.

ومهما اختلفت الرؤى بشأن طبيعة العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان، الثابت أن الإنسان يشكل الموضوع الرئيسي لعملية التنمية. وهذا ما أفاد به إعلان الحق في التنمية الذي صادق عليه المغرب، حينما أكد أن "الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية التي ينبغي لها أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية، والمستفيد الرئيسي منها، وأن الحق في التنمية من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف فيه".

إن محاولة تقييم تجربة السنوات الماضية من عمر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب، من خلال تتبع أداء الفاعلين الأساسيين في عملية تفعيل مضامينها، تعطي الانطباع، بأن المبادرة التي أريد لها أن تكون تشاركية ومفتوحة على كل الفاعلين، صارت، في أحيان كثيرة، مغلقة. كما أن هندستها في جهات وأقاليم تتم في مربع ضيق جداً، لا يسمح حتى بالاطلاع على جدول أعمال الأنشطة المبرمجة في إطارها.

فهل ستستفيد الدولة المغربية، في المرحلة الثانية من أخطاء المرحلة الأولى التي رافقت العمل على تحقيق أهداف المبادرة؟ أم إنها ستعيد إنتاج الأخطاء نفسها، من دون ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن دون الأخذ في الاعتبار الرسائل الواضحة التي وجهها الملك محمد السادس لكل من يهمه الأمر في خطاب العرش، أخيراً، عندما قال: "لا تهمني الحصيلة والأرقام في المنجزات أكثر مما يهمني التأثير المباشر على المواطن"، وسأل: أين هي الثروة؟

avata
avata
خالد أوباعمر (المغرب)
خالد أوباعمر (المغرب)