التدخين داخل السيارة... جدال في غزة

التدخين داخل السيارة... جدال في غزة

31 مايو 2016
يحرص على عدم التدخين داخل سيارته (العربي الجديد)
+ الخط -

على مفترق السرايا وسط مدينة غزّة، يقف شاب وبيده سيجارة يدخّنها في انتظار سيارة أجرة تقلّه إلى وجهته. لم يكد يركب سيارة، حتى ترجّل منها غاضباً مستنكراً. يشكو ممتعضاً أنّ "السائق لا يريدني أن أدخّن في سيارته. هذه السيجارة ثمنها شيكل، لا يمكن أن أطفئها ولا أن أرميها".

يتكرّر هذا المشهد في قطاع غزّة، وسط جدال حول أحقيّة التدخين داخل سيارات الأجرة. ثمّة سائقون مدخّنون وركاب لا يحتملون رائحة السجائر، في حين قد تنقلب الأدوار.

أسعد مصطفى غير قادر على منع نفسه من التدخين حين يحتاج إلى ذلك، أينما وجد. يقول: "في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعار علب السجائر، لا يمكنني أن أحتمل منعي من التدخين ورمي السيجارة. كثيرون هم السائقون الذين يدخنون في سياراتهم ولا يستطيع أحد منعهم. لماذا نُمنع نحن؟". ويؤكد على أنّه يمتنع عن التدخين تلقائياً إذا كان في السيارة أطفال صغار أو نساء.

أمّا حلمي كحيل وهو سائق أجرة، فيرى أنّ من الخطأ السماح للمدخنين بإشعال سجائرهم داخل سيارته. حتى هو نفسه الذي يدخّن منذ عشرين عاماً، يمنع نفسه من التدخين في حال كان يقلّ الركاب في سيارته، "لما للتدخين من آثار سيئة جداً على من يستنشقه". يقول: "لا أسمح لنفسي بالتسبّب في أيّ ضرر للمحيطين بي، خصوصاً أنّ السيارات مكان مغلق وصغير والتدخين السلبي يؤثّر عليهم. أنا أحترم كل فئات الناس ممن يركبون معي يومياً، حتى المدخنين منهم، وأطلب منهم بكلّ ذوق وأدب ألا يدخّنوا في سيارتي". يضيف أنّه يهتم كثيراً بنظافة سيارته ورائحتها، حتى يرتاح ركابه في رحلتهم.

يخبر كحيل أنّ "شاباً ركب معي في يوم، وفي السيارة امرأة وطفلاها. ما إن جلس حتى أشعل سيجارته، على الرغم من ملصق يطلب عدم التدخين داخل السيارة. سألته ألا تجيد القراءة؟ أخبرني بأنّه خريج بكالوريوس لغة عربية، وسألني: هل تستطيع تعويضي ثمن السيجارة التي سأرميها؟ أجبته أنّها مشكلته، وطلبت منه بكلّ أدب النزول من السيارة".




من جهتها، تقول أم محمد الحلو إنّها لا تطيق رائحة السجائر، ودائماً ما تتجنب الأماكن التي تعبق فيها، حفاظاً على صحتها وصحة أطفالها. تضيف: "ثمّة شباب لا يخجلون ولا يراعون ظروف الناس ولا مشاعرهم ولا خصوصيتهم. إذا كانوا هم غير مهتمين بخطر السجائر على صحتهم، فهذا شأنهم. لكن لا بدّ من أن يحترموا صحة سواهم". وتتابع: "لا يحقّ لي منع أيّ كان من التدخين، لكن من المفترض التعامل بأخلاقنا في مثل هذه المواقف ونحترم رغبات الآخرين". تجدر الإشارة إلى أنّ أم محمد تعيش في بيئة خالية من التدخين. وإذ تخشى من التبعات الصحية لهذه العادة على طفليها وعائلتها، تدعو إلى "منع التدخين في الأماكن العامة ومعاقبة المخالفين بأشدّ العقوبات".

يُقدَّر عدد المدخنين في قطاع غزة والضفة الغربية وفقاً للإحصاءات، بأكثر من 800 ألف مدخن من مختلف الفئات العمرية، يحرقون سنوياً نحو 537 مليون دولار أميركي. وتُعَدّ نسبة المدخنين هنا، من بين الأعلى في العالم بحسب عدد السكان. أما عدد الوفيات الناتجة عن أمراض مرتبطة بالتدخين في الضفة الغربية وغزة، فيقدّر بنحو أربعة آلاف حالة سنوياً. يُذكر أنّ ثمّة قانوناً لمكافحة التدخين يحمل رقم 25/2005 صادر في 28 مارس/ آذار 2005.

يشدّد كثيرون على أهميّة منع التدخين داخل السيارات نهائياً، إلا أنّ السائق همام نور يرى أنّه "من المستحيل أن أمتنع عن التدخين داخل سيارتي. هي ملكية خاصة، ولن أسمح لأي كان بمنعي". يقول: "طيلة اليوم، أنا خلف المقود وأتعامل مع فئات مختلفة من الناس. السيجارة هي البنزين الخاص بي، الذي يعينني على مشاكل الحياة اليومية".

تجدر الإشارة إلى أنّ التدخين السلبي يؤدّي إلى كثير من المشاكل الصحية، من قبيل أمراض القلب والجهاز التنفسي وأنواع مختلفة من السرطان لا سيّما سرطان الرئتين. والتدخين هو من بين أكثر الأسباب المؤدية إلى الوفاة في العالم، في حين يخلّف مشاكل كثيرة اجتماعية واقتصادية.

وسط الجدال اليومي والمشاكل التي تحدث بين السائقين والركاب أو بين الركاب أنفسهم، يرى كثيرون أنّ من الضروري سنّ قوانين صارمة تمنع التدخين في الأماكن العامة، لا سيّما المستشفيات والمطاعم وسواها من الأماكن المغلقة، بالإضافة إلى سيارات الأجرة. كذلك من المهمّ بالنسبة إليهم تغريم المدخنين المخالفين مبالغ مالية كبيرة بهدف ردعهم وردع سواهم.