إليزابيث ف. تومبسن.. مئوية ميسلون في ضوء انتفاضات الربيع العربي

إليزابيث ف. تومبسن.. مئوية ميسلون في ضوء انتفاضات الربيع العربي

21 اغسطس 2020
(مظاهرات في شوارع دمشق ضدّ الاستعمار الفرنسي عام 1936، Getty)
+ الخط -

ما بين الأسابيع الفاصلة بين إعلان استقلال سورية في 8 آذار/ مارس 1920 بنظام حكم ملكي دستوري مدني، ومعركة ميسلون في 24 تموز/ يوليو 1920 التي أدّت إلى سحق هذه التجربة الديمقراطية العربية الرائدة، صدر كتابان متداخلان حول هذه التجربة الأول بالعربية في عمّان بعنوان "من الحكومة إلى الدولة: تجربة الحكومة العربية في دمشق 1918-1920"، والثاني بالإنكليزية في نيويورك بعنوان "كيف سلب الغرب الديمقراطية من العرب: المؤتمر السوري في 1920 وتدمير التحالف التاريخي الليبرالي - الإسلامي فيه".

صدر الكتاب الثاني الذي يعنينا هنا لكونه يمثّل مقاربة أكاديمية أميركية جديدة للمؤرخة إليزابيث ف. تومبسُن (1949)، أستاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث في "الجامعة الأميركية" بواشنطن، عن منشورات "أتلانتيك مونثلي برس" في نيسان/ إبريل 2020، ليكون بذلك الكتاب الثالث لها بعد "المواطنون المستعمرون: الحقوق الجمهورية، الامتياز البطريركي والجندر في سورية ولبنان تحت الحكم الفرنسي"، و"إعاقة العدالة: الكفاح في سبيل حكم دستوري في الشرق الأوسط"، بالإضافة إلى دراسات عديدة في المجلات مثل "الكفاح غير المحظوظ لسورية في سبيل الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى" وغيرها. ومن هذه الدراسات ترجمت لها يسرى مرعي دراسة "رضا والدستور العربي السوري: كيف قوّض الانتداب الفرنسي الليبرالية الإسلامية"، نُشرت في موقع "العالم" بتاريخ 2/1/2017.

تخلّصت فرنسا عند احتلال دمشق من وثائق التجربة الديمقراطية
 

يتضح من هذه العناوين أن المؤلّفة منشغلة بتجربة العرب، وببلاد الشام بشكل خاص، مع الحكم الدستوري الديمقراطي، التي ارتبطت خلال 1918-1920 مع "الحكومة العربية في دمشق" بعدما أُعلنت في 5/10/1918 وأدت إلى إعلان استقلال سورية في 8/3/1920 مع اختيار نظام حكم ملكي دستوري نيابي يقوم على اللامركزية لتأمين الحقوق المشروعة للأقليات، تمّ استلهامه من دستور الولايات المتحدة الأميركية والدساتير الأوروبية من قبل النخبة المتأثرة بوعود الحلفاء للعرب في التحرّر والاستقلال والمؤمنة بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة بين مكونات الدولة العربية، وإقراره بفضل تحالف العلمانيين والإسلاميين في "المؤتمر السوري"، الذي انقلب من مجلس تمثيلي إلى مجلس تأسيسي مخوّل بوضع دستور جديد للبلاد. ولكن هذا يمثل الجانب الأول من اهتمام المؤلفة، بينما الجانب الآخر يكمن في مصير وتداعيات إسقاط هذه التجربة الرائدة بالقوة العسكرية من قبل الغرب (فرنسا بالتحديد)، الذي كان الملهم لآباء الدستور السوري الأول في 1920، حيث تمّ تفكيك التحالف العلماني - الإسلامي مع اعتقال السلطات الفرنسية لبعض رموزه واحتواء بعض رموزه الأخرى في مناصب الحكومة الانتدابية، أو الاستعمارية كما تسميها المؤلفًة، واستمر ذلك في ما بعد مع الانقلابات والدكتاتوريات العسكرية إلى زمن انتفاضات الربيع العربي التي غطّتها المؤلفة أيضاً.

الصورة
(دمشق في عشرينيات القرن الماضي، Getty)
(دمشق في عشرينيات القرن الماضي، Getty)

بالاستناد إلى كلّ ذلك، تبدو المؤلّفة متعاطفة مع العرب بسبب الغبن التاريخي الذي لحق بهم، وحرمهم من نعمة الديمقراطية بعد أن أصبحت الدكتاتوريات المدعومة من الغرب تكرس الوهم أو الزعم القائل بأنه "لا يوجد في الشرق الأوسط سوى ديمقراطية واحدة" ("إسرائيل")، وهو ما خصّصت له دراسة بعنوان "الكفاح غير المحظوظ لسورية في سبيل الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى". وفي هذا الكتاب الجديد (466 صفحة من الحجم المتوسط)، تبدو إليزابيث تومبسُن مندفعة أكثر في هذا الاتجاه وصولاً إلى انتفاضات الربيع العربي، حتى يمكن القول إنه لو قُدّم كتابها للنشر بالعربية (مع إغفال اسم المؤلفة) لحظي بالرفض في نصف الدول العربية على الأقل.

يُلحظ في كتابها الإهداء الذي وجّهته "إلى كل السوريين"، بينما تعبّر في مقدّمة الكتاب عن سرورها بالفرصة التي أتيحت لها لكي تذهب إلى دمشق (في أحلى أيامها كما تقول)، لتتمكّن من اللغة العربية، وتصل بواسطتها إلى المصادر المحلية بتوجيه من المؤرخة الفلسطينية خيرية قاسمية. وبذلك تمثل إليزابيث ثومبسُن الجيل الثاني من المؤرخين الأميركيين المعاصرين، أي بعد الجيل الذي يمثله جيل غلفنت، الذي انخرط بقوة في تاريخ بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى بالاعتماد على رؤية المصادر المحلية للأحداث أيضاً، وليس بالاستناد إلى رؤية استشراقية من بعيد والاكتفاء بالمصادر الأميركية والأوروبية.

تبدو المؤلّفة متعاطفة مع العرب بسبب الغبن الذي لحق بهم

في مقدّمة الكتاب المطوّلة والمركّزة، تبدو أفكار وأطروحات ومشاعر المؤلفة، سواء تجاه العرب الذي خُدعوا مرتين بالغرب خلال 1916-1920، أو تجاه فرنسا وبريطانيا التي قضت على الديمقراطية باسم عصبة الأمم التي كانت أملاً للشعوب المتحررة من حكم الإمبراطوريات، وحتى تجاه سياسة بلدها (الولايات المتحدة)، التي تقول إنها حملت المعاناة إلى سكان الشرق الأوسط بدلاً من السلام الذي وُعدوا به.

تنطلق المؤلفة من أن العرب السوريين صدّقوا وعود الحلفاء بدولة عربية مستقلة وشاركوا في العمليات العسكرية ضدّ القوات العثمانية وصولاً إلى دخول "الجيش العربي الشمالي" برئاسة الأمير فيصل إلى دمشق في 1/10/1918، وتأثروا بمبادئ الرئيس الأميركي ولسُن حول حق الشعوب في تقرير المصير، ولذلك سارعوا إلى انتخاب نواب لهم لـ"المؤتمر السوري" في 1919، الذي تولى إعداد دستور يؤسّس لأول مرة لحكم نيابي دستوري وصولاً إلى إعلان استقلال سورية بحدودها الطبيعية في 8/3/1920 وانتخاب الأمير فيصل ملكاً على رأس نظام مدني نيابي لامركزي. ومع أن هذا الإعلان كان له صداه في الصحافة من المغرب إلى الهند، إلا أن فرنسا وبريطانيا لجأتا إلى القوة لتسقطا هذه الدولة الديمقراطية، في انتهاك واضح لميثاق عصبة الأمم.

الصورة
غلاف الكتاب

في هذا السياق، تستعرض المؤلفة ما كُتب باللغة الإنكليزية عن هذه التجربة، ومن ذلك ما كتبه مالكوم رسل وجيمس غلفنت وإليزابيث توبر بشكل عام، وتخصّ بالذكر أربعة كتب أيضاً في اللغة العربية اهتمت بالجانب الدستوري لهذه التجربة (خيرية قاسمية 1982، ومحمد م. الأرناؤوط 2000، وماري شهرستان 2000، ومازن الصباغ 2011)، بالإضافة إلى دراسة محمد جمال باروت التي نُشرت في مجلة "تبيّن" عام 2013، لتنتهي إلى القول إن كتابها يتضمن القصّة التي تُروى هنا لأول مرة بالإنكليزية عن كيفية قيام الأوروبيين بسلب الديمقراطية من العرب وإبعادهم عما يسمى "العالم المتمدن"، بعدما نجحوا في إعداد دستور متقدّم يحجّم سلطة الملك ويؤسس لحكم نيابي مدني لا يكون فيه الإسلام "دين الدولة"، ويضمن الحقوق المتساوية للمسلمين وغير المسلمين.

بهذا المعنى، أي لأنه أول كتاب بالإنكليزية يروي هذا الجانب، تنطلق المؤلفة من أن "تجاهل المؤتمر السوري ودستور 1920 ليس عرضياً"، حيث إنها تمكّنت، كما تقول، من العثور على الوثائق التي تبيّن أن القوات الفرنسية لم تكتف باحتلال دمشق وإسقاط هذه التجربة الديمقراطية الرائدة، بل إن قائدها الجنرال غوابيه كانت لديه تعليمات باقتحام مقرّ المؤتمر السوري ومقرّ الملك فيصل، وجمع كل ما له علاقة بهذه التجربة الديمقرطية والتخلّص منه. ولذلك، تقول المؤلفة إنها تأمل بأن "يلهم هذا الكتاب المؤرخين السوريين لكي يكتبوا في يوم ما رواياتهم عما حدث في الماضي".

في تحليليها لهذا النجاح للمؤتمر السوري في وضع مثل هذا الدستور المتقدم، تتوقف المؤلفة عند دور الشيخ رشيد رضا، رئيس المؤتمر السوري خلال فترة النقاشات الحامية بين الاتجاهين الرئيسيين في المؤتمر: العلمانيين المطالبين بدستور يؤسس لنظام حكم نيابي مدني، والإسلاميين الحريصين على أن يبرز الدستور مكانة الإسلام في الدولة الجديدة. فهي تعتبر أن الشيخ رضا، الذي كان نائب رئيس "حزب الاتحاد السوري" الذي تأسّس في مصر عام 1918 برئاسة ميشيل لطف الله، كان مقدّراً لأهمية التعايش بين المسلمين والمسيحيين وكان، باعتباره معمّماً ورئيساً للمؤتمر، الوحيد القادر على تقريب الطرفين ضمن ما تسمّيه المؤلفة "تحالف ليبرالي - إسلامي" أصبح يمثل أغلبية أعضاء المؤتمر السوري، وهو ما سمح بإقرار أول دستور يحجّم العلاقة بين الإسلام والدولة بديانة رئيس الدولة فقط.

ولكن هذا الإنجاز للشيخ رشيد رضا سرعان ما انهار مع دخول القوات الفرنسية إلى دمشق، حيث لاحقت واعتقلت ونفت رموز هذا الائتلاف الليبرالي - الإسلامي. ومن هنا، تلاحظ المؤلفة أن سلطات الاحتلال الفرنسي ساهمت بدورها في تفريق رموز هذا الائتلاف من خلال استقطاب بعض رموزه في الحكومة الجديدة التي ارتضت القبول بالانتداب الفرنسي وسياساته اللاحقة، بما في ذلك تقسيم سورية إلى دويلات. ولذلك، تقول المؤلفة إن تفكّك هذا الائتلاف الليبرالي - الإسلامي تعمّق خلال السنوات اللاحقة مع تزايد الشكوك بين الطرفين، حيث إن الليبراليين أخذوا ينظرون بتشكك إلى الإسلاميين وأجندتهم الجديدة (دولة إسلامية)، بينما أصبح الإسلاميون يعتبرون الليبراليين مرتبطين بأجندات الغرب.

هذا المآل، الذي تعمق لاحقاً مع الانقلابات العسكرية والدكتاتوريات الجديدة، تابعته المؤلفة مع "انتفاضات الربيع العربي" الذي أنجزت في ظلّه تأليف كتابها. ومع حماستها لهذه الانتفاضات المطالبة بالحرية والديمقراطية، إلا أنها تأسف لأن السوريين لم ينجحوا في 2011 كما نجحوا في 1920 في خلق ائتلاف ليبرالي - إسلامي يطالب بحكم مدني دستوري، بل تفرقت القوى التي شاركت في الانتفاضة ما بين فصائل إسلامية مسلحة ذات صبغة طائفية وقوى علمانية متحفّظة عليها، وهو ما صبّ في تزايد عنف النظام.

ونظراً لأن نقطة البداية في كتابها كانت درعا في نهاية أيلول/ سبتمبر 1918، وكذاك الأمر مع انتفاضة السوريين في 2011، تعبّر المؤلفة عن أسفها باعتبارها حفيدة الأميركيين الذين دعموا السوريين لنيل حقوقهم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وهي ترى أن سياسة حكومتها تكرس معاناة السوريين عوضاً عن منحهم السلام الذي يحتاجون إليه. إلا أن هذا الأسف يتحوّل إلى نقد قاس لما يدور في الصحافة الأميركية من تكريس للصورة النمطية عن العرب وعلاقتهم بالديمقراطية. فهي تنتقد بشدة الصورة النمطية التي تعتبر "أن الأسباب الحقيقية لخطر الدكتاتورية والإسلاميين المعادين لليبرالية تكمن في الخصائص الثابتة للثقافة الشرقية وليس في ما حدث (في دمشق) قبل قرن".

بعد المقدّمة، يرد جدول مراكز الوثائق في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي اعتمدت عليها المؤلفة لإنجاز هذا الكتاب، بالإضافة إلى المصادر المحلية (العربية) التي وصلت إليها خلال إقامتها في دمشق، الذي تقول إنه "أول كتاب بالإنكليزية" يروي قصة ما حدث في 1920 مع الديمقراطية العربية الرائدة.

يمكن القول إن هذا الكتاب يحمل جديداً، سواء للقارئ الإنكليزي أو العربي (عندما يترجم الكتاب)، مع مقاربة المؤلفة بالتركيز على الجانب الدستوري لتجربة الحكومة العربية في دمشق خلال 1918-1920، ونفاق الغرب في التعامل مع هذه التجربة العربية الرائدة، بالمقارنة مع الدول القومية في أوروبا الشرقية التي ظهرت في السنة ذاتها (1918)، مثل يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، التي لم تكن تملك مقومات الدولة القومية وانهارت خلال القرن العشرين نفسه.

إنّ هذا الجديد يبدو أولاً في حرص المؤلفة على الكشف عن "آباء الدستور السوري" في 1920، وهو ما قصّر فيه المؤرخون السوريون والغربيون في ما صدر من كتب كثيرة. فحتى الآن لا يزال الأمر يحتاج إلى البحث للكشف عن هؤلاء الآباء العظام وتكريمهم، إذ تنقصنا المداولات والنقاشات والمسودات الأولى لدستور 1920 ومساهمة كل واحد من هؤلاء الآباء. وفي هذا السياق، يمكن القول إن المؤلفة قدّمت جديداً في توضيح تأثّر بعض هؤلاء الآباء بالدستور الأميركي والنظام الفدرالي فيه، الذين رأوا فيه أنه يناسب سورية الطبيعية تحت مسمى "اللامركزية". ولذلك، نرى أن بعض آباء الدستور قدّموا إلى لجنة كينغ-كراين في صيف 1919 مشروع دستور متكاملاً لـ"الولايات السورية المتحدة"، الذي نُشرت صفحته الأولى في هذا الكتاب لأول مرة.

تمثل المؤلفة الجيل الثاني من المؤرخين الأميركان المعاصرين

ومن ناحية ثانية، قدّمت المؤلفة جديداً في ما يتعلق بمؤتمر سان ريمو في نيسان/ إبريل 1920، الذي كان حلقة مهمة في تقرير مصير "المملكة العربية السورية"، التي أعلنت استقلالها في 8/3/1920. فقد ساعد اعتماد المؤلفة على الوثائق الفرنسية والبريطانية على توضيح بعض التفاصيل التي أغفلها المؤرخون السوريون. فقد كان الشريف حسين قد أعلن مقاطعته للحلفاء، ولذلك عُقد هذا المؤتمر في غياب تام للعرب، في الوقت الذي سمح فيه الحلفاء للأرمن بالمشاركة لعرض قضيتهم ومطالبهم هناك. ولذلك، اعترف الحلفاء باستقلال الحجاز فقط في الوقت الذي فيه تجاهلوا تماماً وجود دولة مستقلة (المملكة السورية)، مع نظام حكم ودستور يضاهي ما كان معروفا في الدول التي اعترف الحلفاء باستقلالها آنذاك (يوغسلافيا وبولونيا وألبانيا.. إلخ).

أما الناحية الثالثة التي تستحق التنويه، فهي حرص المؤلفة على إثبات أطروحتها بوجود خطة مبرمجة لـ"تغييب" تجربة الديمقراطية العربية في دمشق. فهي تكشف في الوثائق الفرنسية كيف أن رئيس الحكومة الفرنسية ألكسندر ميرلاند أوعز للجنرال غوابييه، الذي دخل دمشق في اليوم التالي لمعركة ميسلون، باقتحام مقر المؤتمر السوري ومقر الملك فيصل ومصادرة كلّ ما يجده هناك من وثائق ومتعلقات بـ"المملكة العربية السورية". ومن ذلك ما تسمّيه المؤلفة النسخة الأصلية لـ"دستور 1920"، الذي كان في حوزة الفرنسيين حتى آب/ أغسطس 1920. ولكن هنا بعض الالتباس، إذ إن ما لدينا هو النسخة الأصلية لـ"القانون الأساسي للمملكة العربية السورية"، الذي وُزّع على أعضاء المؤتمر السوري لمناقشته وإقراره، وهو ما انشغل فيه أعضاء المؤتمر حتى يوم 17 تموز/ يوليو 1920، حين صدر قرار الملك فيصل بتعليق جلسات المؤتمر مع توجه القوات الفرنسية باتجاه دمشق قبل أن ينجزوا إقرار كل المواد. وبعبارة أخرى، لم تكن قد اعتمدت بعد كل مواد مشروع الدستور، ولا يوجد لدينا بعد ما يمكن أن نسميه "النسخة الأصلية لدستور 1920".

ولكن ما تسمّيه المؤلفة "تغييب" دستور 1920، لا يتعلق فقط بالقوات الفرنسية التي احتلت دمشق وبقيت فيها حتى نيسان/ إبريل 1946، بل بالأنظمة "الوطنية" التي جاءت عقب الانقلابات العسكرية. ومن ذلك نجد أن النظام الأخير الذي جاء عقب انقلاب 1970 حكم سورية خمسين سنة، أي نصف سنوات المئوية، وغيب استقلال سورية في 8 آذار/ مارس 1920، ودستورها الأول من النصوص المدرسية والذاكرة الجمعية لصالح انقلاب 8 آذار/ مارس 1963، الذي أصبح هو مصدر الشرعية السياسية والدستورية كما كرّسها دستور 1973.

ومع كل هذا يمكن القول، مع تجاوز بعض الملاحظات المنهجية والشكلية والأخطاء المطبعية، إن كتاب المؤرخة إليزابيث تومبسُن يأتي في وقته في غياب جهد سوري متكامل بمناسبة مئوية إعلان الاستقلال السوري و"دستور 1920"، الذي كان أكثر الدساتير تقدمية في "الشرق الأوسط" المتشكّل حديثاً (بالمقارنة مع الدستورين الايراني والتركي)، ومن المأمول، كما تقول المؤلفة، أن يلهم كتابها المؤرخين السوريين لكي يقدّموا ما عندهم حتى تكتمل الرواية عن "آباء دستور 1920".

* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

المساهمون