إرهابيون.. صيادون.. مواطنون

إرهابيون.. صيادون.. مواطنون

21 نوفمبر 2014
+ الخط -

في يوم العملية الإرهابية ضد القطعة البحرية المصرية، خرج علينا المتحدث العسكري، ليزف إلينا بشرى قتل 35 من الإرهابيين، والقبض على 32 منهم، كانوا في أربع بلنصات صيد هاجمت القطعة البحرية! وفي اليوم الثاني، عرفنا أن (الإرهابيين) المقبوض عليهم صيادون من قرى دمياط الساحلية، وأنهم وعائلاتهم يتعيّشون من الصيد منذ عشرات السنين: وما الذي جعلهم يستهدفون وحدة بحرية؟
- هل يعملون في التهريب؟ وحتى لو كان كذلك، فهل تجرؤ ثلاثة لنشات منهم على مهاجمة قطعة بحرية، وتعريض أنفسهم للإعدام؟
- وما علاقتهم بفيديو الإرهابيين؟
- هل تحولوا إلى الإرهاب؟! كيف ومتى؟ وهل تسللت داعش إليهم؟ كيف ومتى؟
- وكيف كان ظنهم أن يفعلوا فعلتهم، ثم يعودون إلى قراهم في دمياط؟
هذه أسئلة تؤكد أن في القصة جزء ناقص، جزء كبير وفجوة واضحة، تجعل الأمر كله غير مفهوم، خصوصاً أن أهالي الصيادين بدأوا يطالبون بالإفراج عن ذويهم المظلومين، فهذا لا يحمل إلا معنيين، إما أن أهالي دمياط جميعهم وقعوا في شراك فكر الإرهاب، ويجب إخلاء دمياط هي الأخرى، مثلما أخليت رفح، أو أن في الأمر لبساً.

ولم يكن ممكنًا أن تطول المهزلة من دون حسم، فهؤلاء إما شاركوا في هذه الجريمة، فلا بد أن للأمر جذور تدل عليه، أو أنهم أبرياء أُخذوا ظلمًا لتغطية الأمر، فقتل منهم 35 واتهم منهم 32 ظلمًا بالإرهاب، لا بل حكم عليهم سلفًا من الجهات الأمنية والجهات (الأمنية الإعلامية)، الذين يفاخرون، حاليًا، صراحة، أنهم موجهون، حكم على هؤلاء الأبرياء منذ اللحظة الأولى أنهم (أرهابيون)، فإذا بهم، بعد يومين، يفرج عن نصفهم، وسيفرج عن النصف الآخر قريبًا!
(أعلن أهالي عزبة البرج، بعد الإفراج عن 16 متهمًا أن فرحتهم لن تكتمل، ولن يقيموا احتفالات قبل الإفراج عن باقي المحتجزين، وأضاف أحد الأهالي أن جميع أهالي القرية يشعرون بالحزن وخيبة الأمل.
وهنا، لابد لأسئلة في منتهى الأهمية بالنسبة لمستقبل هذا الوطن أن تطرح:
- تم الإفراج عن المقبوض عليهم ظلمًا، فكيف سيمكن الإفراج عن القتلى الـ 35؟
- ومن سيعيد للقتلى اعتبارهم وحقوقهم؟
-وهل سترعى الحكومة أولادهم، أو تعتبرهم شهداء، أو ستعطيهم حقوقهم؟ (لم نسمع عن شيء بخصوصهم مطلقًا حتى الآن).
- إذا لم تعطهم الدول حقوقهم، بدءاً بالاعتذار عن قتلهم، مرورًا باعتبارهم شهداء، وما يترتب على ذلك من مستحقات مالية، فكيف تتوقع أن يكون رد فعل أولادهم وأقربائهم، ولو بعد حين؟
- وماذا عن المقبوض عليهم ظلمًا، هل ستعوضهم الحكومة معنويًا أو ماديًا عن الأيام السوداء التي ألقوا فيها في غيابات السجن، واتهموا في شرفهم، أم يكفي الإفراج عنهم (ويحمدوا ربنا قوي إنهم لسه عايشين.. ما حصلوش إخواتهم وقرايبهم الآخرين).
- وكيف كانت المعاملة التي تلقوها في تلك الأيام السوداء، هل كانت معاملة آدمية لمواطنين أبرياء، لم تثبت إدانتهم بعد، وهم رهن التحقيق، أم أنهم تلقوا معاملة إرهابيين مدانين مسبقًا بقتل ضباط وجنود في الجيش (يعني حيشوفوا الموت ويتمنوه، وما يطولوهوش).
- والسؤال الأخير، يثبت الآن أن الـ 35 قتيلاً، والـ 32 المقبوض عليهم، ليسوا من الإرهابيين، إذن 67 مواطنًا مصرياً لم يكونوا، ولا أقرباؤهم، من الإرهابيين. السؤال الآن، بعد ما حدث، كم منهم سيتحول إلى إرهابي، بعد الأهوال التي لابد أنه لاقاها على يد جلاديه، وهذا ليس استنتاجًا، إذا كانت التجاوزات قد ارتكبت في حقه علنًا، منذ اللحظة الأولى، بالإعلان الرسمي عنه أنه إرهابي من دون تحقيق ولا محاكمة، فلك أن تتصور ما حدث له في الخفاء، كم منهم سيصبح إرهابيًا، وكم من أولاد القتلى وإخوتهم وأولاد إخوتهم سيصبح إرهابيًا تتصدر صوره بعد شهور، أو سنوات، النشرات، باعتبارهم أعداء الوطن الذين يعتدون عن أجهزته الأمنية.
 
لعل كل تلك الأسئلة توقظ النزقين، بل المجرمين، من أنصار الحكم الحالي الذين يصفقون ويطبلون له، في كل تجاوزاته وجرائمه، بدعوى إنقاذ الوطن وقمع الإرهاب، وقد رأينا الإرهاب يتصاعد منذ التفويض وما تلاه من جرائم.

عندما كان حازم أبو إسماعيل يسأل، حتى أيام عهد الرئيس محمد مرسي، عن العمليات التي تجري في سيناء، بأي ضوابط قانونية تحدث، تم تجاهل كلامه، ثم زاد الخروج على القانون جدًا بعد 3 يوليو/ تموز 2013، حتى نُحّيَ تمامًا، وأصبحت العمليات الأمنية في سيناء وغيرها خارج أي ضوابط، فزاد عدد القتلى من دون محاكمة، هناك، على الألف قتيل منذ 3 يوليو/ تموز، فكم من هؤلاء المواطنين القتلى بريء من الإرهاب براءة صيادي دمياط، وكم منهم رقد في قبره مظلومًا، مثلما رقد الـ 35 صيادًا في قاع اليم مظلومين، فهل هذا هو سبيل إنشاء الدولة.

أفيقوا، دولة القانون ليست ترفًا، والحديث عن إعمال القانون وسيادته ومحاسبة المتجاوزين، مهما علت مناصبهم ليست من الكماليات، بل هي أولى الأولويات، إن كنا حقًا نريد الحفاظ على مصر.

avata
avata
يحيى حسن عمر (مصر)
يحيى حسن عمر (مصر)