أبناؤنا والإنترنت والصيف

أبناؤنا والإنترنت والصيف

29 يونيو 2016
تمثل الهواتف الذكية هاجساً يؤرق الأهل (Getty)
+ الخط -
"خدنا أجازة"... بشرى يصاحبها دوماً صوت راض ووجه مبتسم، إذ يمثل بدء الإجازة الصيفية إيذان للآباء والأبناء بالاسترخاء والتخفف من الأعباء المادية والذهنية والنفسية التي تتكالب عليهم طوال فترة العام الدراسي، ربما يسعد الأبناء بعودتهم غير المشروطة للعب ومشاهدة التلفاز وتصفح الإنترنت، وقد بات هذا الأخير يمثل الشاغل الأهم لوقت الأبناء في العطلة الصيفية، والهواتف الذكية والحواسيب اللوحية هي المكافأة الأجدى حال نجاح الأبناء وتفوقهم. رغم الانتشار الواسع للهواتف المحمولة الموصولة بالإنترنت وإتاحتها بين قطاعات واسعة من الأطفال إلا أن سؤال الجدوى ومخاوف إساءة الاستخدام مازالا يشكلان الهاجس الأكبر عند الآباء.



"محض" استهلاك
وفق أحدث التقديرات الصادرة عن الجمعية الدولية لشبكات المحمول في تقريرها بعنوان "استخدام الأطفال للهواتف المحمولة – مقارنة دولية 2013"، فإن 91 في المئة من الأطفال المصريين في الفئة العمرية (8 - 18) عاما يمتلكون هاتفاً محمولاً. وبذلك تسجل مصر أعلى معدلات استهلاك للهواتف المحمولة بين الأطفال، تتبعها السعودية والجزائر والعراق بنسب (87- 70 – 68) في المئة على الترتيب، كما تشير الإحصاءات إلى أن ذروة اقتناء الهواتف المحمولة عند الأطفال -في البلدان المذكورة- تقع في الفئة العمرية بين "10 – 12" عاماً.

في المتوسط يحظى طفل بين كل ثلاثة بهاتف ذكي Smart phone وهو غالباً موصول بالإنترنت، أما عن الاستخدامات المفضلة، فتمثل الكاميرا التفضيل الأول بين بقية التطبيقات بنسبة استخدام تصل إلى91 في المئة، يتبعها مشغل الأغاني ثم مشغل الفيديو بنسب (88 - 78) في المئة على التوالي.


من جهة أخرى، يتراجع استخدام الإنترنت للحصول على معلومات ليأتي في ذيل قائمة المحتويات التي يبحث عنها الأطفال خلال اتصالهم بالإنترنت حيث يقف البحث عن نغمات الرنين وألعاب الإنترنت في الصدارة يليهما استخدام الإنترنت بغرض التواصل الاجتماعي.

بالنظر إلى اليابان -التي يتأرجح ترتيبها بين المركز الأول والثاني ضمن أفضل عشرة أنظمة تعليمية على مستوى العالم، يُلاحظ انخفاض نسب حيازة الأطفال للهواتف المحمولة لتصل إلى 57 في المئة، كذلك يتأخر الطفل الياباني في اقتناء أول هاتف محمول يخصه، إذ يزيد الإقبال تدريجياً ليصل ذروته عند سن الخامسة عشرة، فيما يتصدر استخدام الإنترنت في البحث عن المعلومات - سواء ما تتعلق بالأخبار أو حالة الطقس أو المواصلات... إلخ- كأولوية يليها البحث عن محتويات ترفيهية مثل الألعاب والأغاني وغيرها.



بين رؤى الآباء والأبناء

تضعنا الإحصاءات بإلحاح أمام سؤال الجدوى من جراء مكوث أطفالنا بالساعات أمام الإنترنت، خاصة مع ضبابية سبل الكشف عن المهارات المكتسبة منه - إن وجدت، يزيد الأمر سوءاً المخاوف العديدة التي تهجس الآباء حول الإنترنت مثل التخوف من المبالغة في
الاستخدام بما قد يعرض الأبناء لمحتويات غير مناسبة أو يعرضهم لمشكلات صحية بالإضافة للتخوف من كشف بعض البيانات الشخصية للأبناء لأشخاص غرباء قد يسيئون استخدامها، لذلك يلجأ حوالي 61 في المئة من الآباء لمراقبة استخدام أبنائهم وإرساء قواعد للاستخدام يعاقب الأبناء في حال مخالفتها.


كما يلجأ حوالي 55.9 في المئة إلى حجب بعض المواقع والمحتويات غير الموثوقة. على النقيض، يتضاءل شعور الأبناء بمخاوف آبائهم إذ يقر 87 في المئة من الأطفال –موضع البحث- أن اقتناء هاتف محمول يعزز ثقتهم بأنفسهم، بينما يوفر اتصالهم بالإنترنت الفرصة لبناء علاقات حميمة مع أصدقائهم كما تتيح لهم شبكات التواصل الاجتماعي مجالاً لبناء صداقات جديدة واكتساب المزيد من المهارات الاجتماعية.




المختصون
يشير المختصون إلى أن الاستخدام الواعي للإنترنت يضمن تأثيرات إيجابية على الأطفال، خاصة في ما يتعلق بمحو الأمية الرقمية لهم وتعزيز مهاراتهم القرائية والإدراكية والأكاديمية، وبحسب ما توصلت إليه الدراسة المنشورة في Developmental Psychology بعنوان "هل يؤثر الإنترنت المنزلي على التحصيل الأكاديمي لأطفال الأسر منخفضة الدخل؟" فإن اتصال الأطفال بالإنترنت بصفة منتظمة مدة ستة عشر شهراً أسفر عن تحسن ملحوظ في مهاراتهم القرائية، كما أدى إلى ارتفاع معدلات الإنجاز التراكمي لهم (GPA) في الاختبارات، وبهذا الخصوص تشير الدراسة إلى أن تلك النتائج ربما يفسرها أن الأطفال موضع البحث اقتصر اتصالهم بالإنترنت على صفحات الويب التي غالباً ما تتضمن محتويات نصية كبيرة تساهم بشكل قاطع في تحسين المهارات القرائية.


فهل نخلص من ذلك إلى أن انصراف أبنائنا نحو الإنترنت كوسيلة للتسلية وحسب، بحيث يقتصر استخدامه على تنزيل الألعاب وبرامج التصوير والأغاني والأفلام، ليس إلا تقييداً للفوائد الكبيرة التي تحملها الشبكة العنكبوتية بين دفتيها، وإهداراً لفرص التعلم المتاحة في كل المجالات عبر برامج التعلم الذاتي والمجاني المتوفرة على الشبكة؟!



دور المدرسة
بحسب ما ورد في الدراسة المنشورة بعنوان "سلامة الأطفال على الإنترنت: دراسة وطنية حول تأثير الإنترنت على الأطفال في لبنان"- ينصح الخبراء بضرورة أن تتولى المدرسة دوراً إرشادياً وتوعوياً للتلاميذ بلفت أنظارهم للمواقع الجادة المتاحة وكيفية الاستفادة منها،بحيث يتسنى لكل تلميذ اختيار ما يوافق ميوله واهتماماته بين ما توفره الشبكة من فرص لتعلم اللغات واكتساب المهارات الحاسوبية ومتابعة العلوم والفلك واستكشاف الطبيعة... إلخ.

هذا بجانب تسليط الضوء على النواحي السلبية أيضاً بتفصيل المحاذير التي تؤثر سلباً على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي للأطفال، خاصة ما يتعلق بمحاولات الاستغلال الجنسي من خلال غرف الدردشة والإعلانات والصور الإباحية، لذلك تقترح الدراسة تطبيق مادة دراسية للتوعية بسبل الاستخدام الآمن للإنترنت، كما تنصح بتذكير التلاميذ بقصص تحكي مآلات غير سعيدة نتيجة لإساءة استخدام الإنترنت للاتعاظ منها.

يبقى أن الاعتناء بتنمية مهارات الأبناء ومعاونتهم على تطوير ذواتهم، هو الفريضة الأسمى التي يجب أن ينصرف إليها الآباء، مثل انصرافهم الدؤوب لمتابعة أبنائهم في تسجيل الواجبات والاشتراك في الدروس الخصوصية والحث على تحصيل الدرجات النهائية في الاختبارات المدرسية.


المساهمون