حازم العظمة

القصائد لا تُؤلَّفُ ولا تُكتَبُ/ إنّما، كحورياتِ البحرِ/ في الليالي المقمرة/ تعبرُ من المياه العميقةِ إلى الشاطئِ/ إنمّا في غبشِ الفجرِ/ تعبرُ من سياجاتِ الحقول/ أو تهبطُ على سطوح البيوتِ/ تطوي المناماتِ/ ترشُقُ النائمين على السطوحِ/ بماء النجوم.

كشّافاتٌ مبهِرةٌ تُضيء المكانَ، طبولٌ وموسيقى وأبواق، وطعامٌ ساخن يتصاعد منه البخار. متجوّلون يعرضون أشياءَ صغيرةً على طاولاتٍ من تلك التي تُطوى، وثمّة أرانب صغيرة على إحداها، وظيفتها أن تلتقط بأفواهها أوراق الحظّ المطوية.

لا تقولُ إلّا قليلاً/ ما بقيَ تَدعهُ في العراءِ تحت النجوم/ تقولُ سيرويه القادمون صباحاً إلى الحقول/ ما لا تُعيدهُ/ ولا ترميهِ/ تدعهُ يتمدّد في العشبِ/ كما أوّل ما تناثر بأهدابهِ النهار.

كلُّ ما كان من ثَملِ أيلول/ رماد في الليل/ نبيذٌ/ وكؤوسُ نبيذٍ بسوقٍ نحيلةْ/ كلُّ ما كانَ/ مساءٌ خفيضٌ/ وفي النهار ظلالٌ مائلة/ مائدةٌ في الرمل/ وزهرةُ دُفلى/ تلك كانتِ الأيام/ وكان الفضاء يخلو/ من البِقاعِ/ إلى الجبال الزرقِ وراءها/ والبحرِ

دائماً أصادف مقالات وآراء تشيد بالانتحار والمنتحرين. هناك كُتب أيضاً تعيد هذا الإعجاب ذاته. فكرتُ أنّ للموضوع شعبية ما؛ منها أنّ القارئ ربما أعجبه أنّ مَن انتحر كان شخصاً آخر غيره. قلت: أردّ على هؤلاء بأن أكتب عن الانتحار بمتعة، كقيض للانتحار اليائس.

كان مؤلماً في كلّ مرّة. كان مؤلماً أن أفكّر، في كلّ مرّة، حين كنّا نجلس إلى مائدة خشبِ التوتِ هذه، أنّ الستّينيّ الطيّب من بيت سحم، الذي باعني هذا اللوح، قد قُصف ومَنشَرته والألواح كلّها...

حين تنزلُ من الجبل، قادماً من أبو الشامات في المنحدر الذي يُفضي إلى دمشق. تكونُ إلى يساركَ من هذا الارتفاع، مبسوطةً كالكفّ، باديةُ الشام. ثمّة في مرمى النظرِ التلالُ السود، وخِربة دير الشمالي، وسَبخة العتيبة، وحَرّان العواميد، وعشراتُ القرى الصغيرة.

لا يزال الهتاف للزعيم، والإخلاص له، وحتى الذهاب إلى الموت من أجله، يطبع عميقاً سلوك الجماعات البشرية، حيث يختلط الأمر مع مفاهيم كالعدل والحقّ والقومية، وهي مفاهيم تُنتج وتعيد إنتاج مقولاتٍ من قبيل: القومية الأعلى.

الأدب "سياسيّ" بقدْر ما كلُّ قول هو إشارة وإضافة مرسلة إلى آخرين، بقدر ما كلّ قول ــ حتى البسيط اليومي ــ إسهامٌ في كيف يكون العالم، أو كيف نحبّ أن نراه، وهو أحياناً عالمٌ نتخيّله، ما زال بعيداً.

إنْ كنتَ من هؤلاء الذين لا يصلهم الشعر، تجنّبْ الحديث عنه، ابتعدْ عنه واعتبرْهُ عَدَماً، اذهب إلى مكانٍ آخر، تحدّث عن كرة القدم مثلاً، تحدّث عن صناعة الأسلحة، أو عن صناعة الصابون، عن أيّ شيء...