الإعلام الجزائري يتعامل مع الشباب بمنطق "السلطة"

الإعلام الجزائري يتعامل مع الشباب بمنطق "السلطة"

04 اغسطس 2016
هناك إقصاء إعلامي واضح للشباب (Getty)
+ الخط -

التناول الإعلامي الواسع لقصة الزوجين الجزائريين اكرام وعبد القادر، مؤخراً، والتهم التي تبادلها الطرفان حول خيانة الزوجة وهروبها مع رجل آخر ونزع الزوج لحجاب زوجته في الولايات المتحدة الأميركية، أثار الكثير من الجدل حول اهتمامات الجزائريين والمحتوى الإعلامي الذي تقدمه وسائل الإعلام في مجتمع أكثر من 70 بالمئة من تركيبته السكانية عبارة عن شباب يمثلون بدورهم نسبة مهمة من الموارد البشرية في المؤسسات الإعلامية الجزائرية وفي القنوات التلفزيونية تحديدا.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه الكثيرون الضجة الإعلامية والتفاعل معها دليلا على اهتمام الشباب الجزائري بالأمور السطحية والتافهة على حساب مشاكله الحقيقية، اتهم آخرون الإعلام بالتركيز على الفضائح والإثارة وتهميش القضايا الأساسية التي تهم الشباب. ولجأ أصحاب بعض الصفحات الفيسبوكية إلى حملات مضادة وتوعية ضد ما سموه بـ"الصحافة الصفراء" عن طريق نشر قصص نجاح لشباب جزائريين مبدعين لم يتناول الإعلام تجاربهم الملهمة.

وفي هذا السياق، يقول كريم عبيد، رئيس جمعية الوعي والتنمية الاجتماعية، لـ"جيل العربي الجديد"، إن جريدة واحدة فقط في الجزائر تهتم بالشباب، مؤكدا على وجود إقصاء إعلامي واضح للشباب، في حقل يضم حاليا أكثر من 320 جريدة، منها 149 يومية و33 أسبوعية، باللغتين العربية والفرنسية، وأكثر من 55 قناة إذاعة، وما يفوق خمسين قناة تلفزيونية في القطاعين الخاص والعمومي. حسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة الإعلام والاتصال الجزائرية.

"الإثارة" على حساب قضايا الشباب
لم يتمكن هذا التنوع الكمي البارز في العناوين من تغطية الاهتمامات والمشاكل الحقيقية للشباب الجزائري، حيث تركز أغلب المؤسسات الإعلامية الجزائرية، سواء في الصحافة المكتوبة أو السمعي البصري على الفضائح ومواضيع سفك الدماء: جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات الجنسية التي تطغى على الصفحات الأولى والبرامج التلفزيونية الموجهة لشباب يعاني من البطالة وغلاء المعيشة وأزمة سكن حادة. ويضيف كريم عبيد: "القنوات التلفزيونية تركيبتها من الشباب وبرامجها موجهة للشباب ولكنها تعمل بمبدأ التاجر، تقدم الإثارة لأنها سريعة الاستهلاك بعيدا عن الجدية والتثقيف".

ولا تتوقف الاتهامات التي تواجهها أغلب وسائل الإعلام الجزائرية عند هذا الحد، حيث يرى الشباب اليوم أن الصحافة دخلت في النمطية والتركيز على مواضيع معينة دون أخرى دون مراعاة لتعدد الاهتمامات وتنوعها، على غرار التركيز في مجال الرياضة على كرة القدم بسبب شعبيتها على حساب الرياضات الأخرى مثل السباحة والمصارعة التي يتزايد الاهتمام بها، وفي هذا يتساءل مسعود، الشاب الذي يعمل كمدرب رياضي، لـ"العربي الجديد":"الكثير من المواضيع المهمة يمكن إثارتها إعلامياً، في الرياضة مثلا، لماذا لا تتم تغطية أنشطة المخيمات الصيفية التي يشارك بها الشباب رغم ما فيها من أجواء حيوية ومميزة، أو التطرق ليوميات الشباب الجزائري في الصيف ومعالجة مشكلة الفراغ".

وفي الفن مثل الرياضة، يرى الشاب  صالح، وهو فنان فوتوغرافي من الجزائر، أن وسائل الإعلام لا تعالج القضايا الرئيسية والمشاكل الحقيقية إلا نادراً، معلقا في حديث لـ"جيل العربي الجديد": "الصحافة تركز على الإثارة وتتعمد تهميش الفنانين، شخصيا رأيت فنانا يبيع آلته الموسيقية من أجل شراء الطعام". وينتقد ذات المتحدث طريقة عمل وسائل الإعلام من خلال اعتمادها على البرامج الحوارية في الاستوديوهات المكيفة في العاصمة، موضحا: "يجب أن يعزز العمل الإعلامي الحواري للوصول إلى الشباب في كل مناطق الوطن، لا يمكن نقل معاناة أبناء الصحراء، مثلا، من خلال استوديو مكيف بالعاصمة".

الإعلام بمنطق "السلطة"
بهذا المنطق لا يبدو اهتمام الإعلام بالشباب مختلفاً عن اهتمام السلطة به، الذي ينحصر عادة في المناسبات والأحداث المهمة، أو الخروج في مظاهرات وشن إضرابات في قطاع معين، في حين تبقى معالجة قضايا أخرى مثل البطالة عند خريجي الجامعة والهجرة وغيرها بشكل أقل وسطحية عن طريق الاكتفاء بعرضها كأخبار متفرقة في أغلب العناوين الصحفية.

ويرجع الشاب والصحفي محفوظ دريش، 30 سنة، في حديث لـ"جيل العربي الجديد" هذا المنطق لكون الإعلام الجزائري مسيساً، لذا فإن تعامله مع الشباب يكون تماما مثل تعامل السلطة معه، يقتصر عادة على خروجه للشارع لتحقيق مطالب اجتماعية، وفي المناسبات الرياضية، وفي الأعياد والمناسبات الوطنية، وهذا ما يبرز ضعف الاهتمام بالشباب بشكل مستمر، ويعلق محفوظ: "المواضيع التي تهمشها السلطة يهمشها الإعلام، مثل المشاركة السياسية للشباب، الابتكارات والإبداعات، الجمعيات النشطة في الثقافة والفنون وغيرها، والفضائح يتم تسويقها لإلهائه".

وعن القضايا التي تهم الشباب ولا تحظى بمعالجة إعلامية، يشير الناشط الجمعوي كريم عبيد، إلى الآراء والتوجهات السياسية للشباب، وعزوفهم عن المشاركة في الحياة السياسية، ونظرتهم للقروض التي تقدمها الدولة وصيغتها وغيرها من القرارات الحكومية مثلا.

في المقابل يرى صالح، أن الإعلام والسلطة نفس الشيء، لا يتحدثان عن الفنانين إلا في المناسبات والأحداث والمعارض فقط، ويكرران نفس الأسماء. وتلخص كريمة (25 سنة) حال العلاقة بين الإعلام والشباب في الجزائر، في حديث لـ"العربي الجديد": "في مجال الطب الذي أنتمي إليه، لا أكاد أجد في الإعلام الجزائري شيئا يشبع رغباتي ويلبي اهتماماتي، لا نملك حتى صحافة علمية متخصصة، الإثارة تطغى على كل شيء".

المساهمون