"طلعت ريحتكم".. هبّة شبابية بلون جديد

"طلعت ريحتكم".. هبّة شبابية بلون جديد

27 اغسطس 2015
لم يكن هذا الشعار خاصاً بالنفايات فقط( العربي الجديد)
+ الخط -
الشعوب لا تزال تُبهرنا في كل مكان وزمان، فهي لديها قدرة عالية على الصبر والاحتمال، حتى إذا زاد الفساد عن حده وفاحت رائحته العطنة، وكان الظلم رديف التعاملات اليومية، هبّت متظاهرةً ضد حكوماتها وأنظمتها المستبدة، مطالبة بالتغيير وإسقاط النظام.


تعود هذه الأيام مظاهرات الشعب اللبناني التي بدأها منذ أشهرٍ مضت، بسبب تردّي الأوضاع المعيشية وسوء البنى التحتية وعدم تطويرها، لكن هذه المرة يُطالب الحكومة برفع النفايات من الشوارع وتنظيفها لأن رائحتها أزكمت الأنوف وقد تسبب انتشار الأمراض والعدوى، وعَنْوَنَ التظاهرات باسم "طلعت ريحتكم".

لم يكن هذا الشعار خاصاً بالنفايات فقط، كما ادعت وسمتها الحكومة اللبنانية وحاولت إيهام الشعب بها، بل تشير إلى الفساد المستشري في أركان الدولة ناهيك عن النفايات، فهناك الانقطاع المتواصل للكهرباء، وباقي البنية التحتية سيئة منذ انتهاء الحرب الأهلية في التسعينات من القرن الماضي.
لقد كانت مطالب اللبنانيين محددّة بحقوقٍ مشروعة لا تستدعي التدّخل الأمني العنيف والقمع الدموي، إلاّ أنه وكأيّ نظام استبدادي ديكتاتوري أطلق قواته الأمنية وعناصر جيشه على المتظاهرين مصيبهم باختناقات الغاز المسيل للدموع والرصاص الحيّ والذي وصل عدد الإصابات إلى أكثر من 400 جريح، وذلك طبقاً لمصادر الصليب الأحمر اللبناني، إلى جانب كثيرٍ من المعتقلين - لطالما ادعت الأجهزة هناك، أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط -، فهتف المتظاهرون: "الشعب يريد إسقاط النظام".

هكذا بدأت ثورات الربيع العربي بمطالب محددة ومشروعة قابلة للتحققّ، كان هذا حلمنا الأولّي، لكن غرور الأنظمة القمعية الحاكمة أبى أن يستجيب للشعوب، وقمعتها وسلّطت آلتها الأمنية المتوحشة للفتك بها، ظناً منها أنها تقضي على آخر نفس معارض لشعوبها، فقامت الثورات تحاول إسقاط تلك الأنظمة، وربما ينضم لبنان إلى ركب ثورات الربيع، ويهبنا شرارة أمل مجددة لما قمنا به تؤكد فوز الشعوب.

ووسط الاستقطاب الحاد في الصراع السياسي والمذهبي الذي لم يعرف غيره لبنان، خرج الشباب في تظاهرات موحدّة ليخلع عنه هذا الرداء الأسود الذي كفّن الشعب لعقود، رافضاً رفع الرايات الحزبية أو المذهبية في تطوّر جديد عن اللبنانيين، وعن البعد الطائفي ووسط صدمة النخب السياسية والمجتمعية، ليثبتوا للجميع أنهم على قدرٍ كبير من النضج والوعي لتوصيل مطالب الشعب، ورسالة مفادها: "نحن خارج ثنائية السياسة والطائفية المدمرة".

رفض الشباب الانقسامات المتأججة التي رآها تعجن الحكومة والنخب ومناصريهم، والذين كانوا عاجزين عن أَيّ حلول جدية، ولم يحرّكوا ساكناً حتى تفاقم الأزمة، وراح يرسم صورةً جديدة عن التوّحد والاستقلالية عن المذهبية والصراعات السياسية تحت شعار إسقاط النظام الفاسد. 
لذا لا يجب علينا أبداً أن نقف محايدين أمام فئة من شعبٍ تنتفض من أجل أبسط حقوقه، فئة اختارت أن يعلو صوتها أمام القمع والترهيب من أن تسكت أو تتظاهر بالصمت، فئة تحاول أن تُثبت أن النظام خادم للشعب وليس العكس، فئة تؤكدّ وتناضل وتُصرّ.

فقط نأمل ونرجو من الشباب اللبناني الواعي أن يدرس ثورات الربيع العربي جيداً وبكل تفاصيلها، بصحيحها وأخطائها، بمُعيقها وما حِيك لها، حتى إذا حان الوقت لثورة حافظ على حراكه متماسكاً قوياً ومشتعلاً..

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون