بينظير بوتو تتنبأ بموتها

بينظير بوتو تتنبأ بموتها

11 يناير 2015
ذكرى اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة (Getty)
+ الخط -
في أمسية عيد الحب عام 2005 كنا مجموعة أصدقاء من جنسيات مختلفة في نزهة مسائية هادئة في الشانزليزيه الباريسية. دُهش الجميع عندما تلقى زميلنا اللبناني توني مكالمة من مقر عمله في بيروت، ليُطلب منه العودة إلى لبنان مباشرة بسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. صُدم توني وبكى وبدأ بكيل الشتائم لحزب الله. تساءلت يومها لماذا قد يبكي صحافي ما لموت شخصية سياسية!

في 27 ديسمبر/كانون الأول 2007 وجدت نفسي في موقف مماثل حين اغتيلت بينظير بوتو في مدينة روالبندي الباكستانية. وبرغم رفضي لنمط حياة عائلة بوتو الإقطاعي وسياساتهم الخارجية، إلا أن خبر موتها أبكاني بمرارة.

حتى اللحظة، صدرت ثلاث كتب تحاول جاهدة الوقوف على تفاصيل جريمة الاغتيال المحكمة الأول Getting Away With Murder لهيرالدو مونوز، والثاني Who’s the murderer لسهيل واريج، والثالث Who assassinated Benazir لشاكيل انجوم، إضافة الى كتاب أناتول ليفين Pakistan: A Hard Country الذي ناقش هذه المسألة جزئيا. ولأنني كنت شاهدا على ساعات بينظير الأخيرة ومراسم جنازتها في بيت عائلتها، أستطيع القول، إن الكتب المذكورة أعلاه، جميعها، عالجت المسألة بشكل سطحي.

بينظير ذات 54 عاما، هي ابنة ذو الفقار علي بوتو الزعيم الباكستاني ذي الشعبية الكبيرة، كانت قد غادرت البلاد عام 1997 إلى دبي، عقب صفقة مثيرة للريبة عقدتها مع الجنرال مشرف، تضمنت إسقاط قضايا فساد ضدها وضد والدتها نصرت بوتو وزوجها آصف علي زرداري، مقابل مغادرتها البلاد بشكل نهائي.

يوم عودتها إلى كراتشي يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 2007، عاشت باكستان بأسرها حالة من الترقب الكبير. لقد سرها الاستقبال المهيب الذي قابلها به سكان المدنية، الذين خرجوا ضاربين بالتهديدات الأمنية عرض الحائط، وكذا كانت زعيمتهم المحبوبة. زحف موكبها ببطء شديد ووصلت إلى كارساز في كراتشي بحلول منتصف الليل. وفي تلك الليلة، فُتحت أبواب جهنم؛ وكنت جالسا وقتها في الكرسي الأمامي لسيارة شرطة، حينما علا دوي الانفجار إثر قيام انتحاري بتفجير نفسه على مقربة من الغرفة المعدة لاستراحة بوتو. بعض السيارات المصطفة أمامنا اشتعلت فيها النيران، وامتلأ المكان بالجثث والأطراف المترامية هنا وهناك. استطاعت أن تخرج بينظير من عملية الانفجار سالمة، بيد أن الهجوم خلف وراءه 160 قتيلا وأكثر من 300 جريح.

ورغم إلغائها عددا من نشاطاتها التي كانت مقررة في مدن عديدة، إلا أن بينظير رفضت الانسحاب من المشهد السياسي الباكستاني، والعودة إلى قصرها في الإمارات حيث يسكن أولادها. لطالما أرادت طالبان اغتيال خريجة هارفرد، فقد كانوا يرون أنها أميركية الهوى، بالإضافة إلى اعتقادهم بأنها شيعية مثل أمها وزوجها.

في 27 ديسمبر/ كانون الأول، عقدت بينظير مؤتمرا ناجحا للغاية في لياقت باغ وهو منتزه في روالبندي، سمي تيمنا برئيس وزراء باكستان الأول الذي اغتيل بدوره عام 1951. إلا أنها سرعان ما لحقته وارتمت نازفة في أحضان أعز صديقاتها ناهد خان، ومع غياب أفراد الأمن والمدرعات المضادة للرصاص. توفيت بنظير، وعوضا عن حفظ مسرح الجريمة تم محو آثارها بالكامل في غضون ساعات. بعد يومين على وفاتها قام حزبها بتعيين زوجها آصف علي زرداري رئيسا للحزب.

خلفت جريمة اغتيال بينظير بوتو التي تشبه كثيرا حادثة اغتيال الرئيس الأميركي كينيدي الكثير من الأسئلة من دون إجابات: لماذا قطعت الزعيمة الباكستانية نصف المسافة إلى المستشفى في سيارة متضررة؟ أين كانت عربات الشرطة وغيرها من قوات الدعم بعد إصابة بينظير؟ ولماذا تم تنظيف مسرح الجريمة بالكامل ليلة الاغتيال، بحيث لم تتمكن المباحث البريطانية (سكوتلاند يارد) سوى من جمع 23 دليلا من الموقع بدل آلاف الأدلة؟

كذلك، لماذا لم يتم تشريح جثتها أو جثث أي من الضحايا؟ وحتى حينما تولت حكومة حزبها زمام السلطة في إسلام آباد، لم يصدر أي أمر باستخراج جثتها للتأكد من بعض الحقائق الهامة؟ ففي حين ينفي فريقا وزارة الداخلية والمباحث البريطانية موتها برصاصة في الرأس، فإن الكتب الأربعة تؤكد أن ارتطام رأسها بسقف السيارة نتيجة لقوة الانفجار، لم يكن السبب الحقيقي وراء موتها.

ثم لماذا رفض مستشارها الأمني رحمان مالك قطعيا إلغاء المؤتمر تبعا لتحذيرات رئيس الاستخبارات الباكستاني نديم تاج بشكل قاطع وعلى العكس من رغبة بينظير؟ وبرغم ذلك قام زوجها آصف علي زرداري الذي أصبح رئيس الحزب ورئيسا لباكستان بتعيين رحمان وزيرا للداخلية في حكومته مدة خمس سنوات؟

رغم محاولة هذه الكتب تقديم الإجابات عن بعض هذه الأسئلة الحرجة إلا أن الغموض يظل سيد الموقف. وكما كان لبنان الحريري فإن باكستان بينظير كانت مسرحا لتنافس كثير من القوى واللاعبين. لكن إن تمكنت محكمة الحريري من أخذ أسماء قاتليه إلى محكمة لاهاي، فإن قاتلي بينظير سيظلون مجهولي الهوية. ما هو معروف، بأسى، هو قصتها مع الطفلة التي أرادت أن تقدم لها بسكويتا عند عودتها ووصولها مطار باكستان بعد عودتها، ترددت في تناوله خشية أن تكون حركة اغتيال، ثم تناولها للبسكويت من يد الطفلة مع ابتسامة لها وهي تقول: إنني أعرف أنني سأموت خلال شهور على أية حال، فلا فرق.

(صحافي استقصائي- إسلام آباد)

المساهمون