التقشف يؤرق الجزائريين على وقع تهاوي النفط

التقشف يؤرق الجزائريين على وقع تهاوي النفط

11 يناير 2015
غالبية المواد الاستهلاكية مستوردة (فاروق باتيش/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يتوقّع الكثير من الجزائريين بعد عشريّة الرخاء التي طبعت المشهد العام بالبلاد، أن تتهاوى أسعار النفط إلى الدرجة التي يعود معها هاجس سيناريو نهاية الثمانينيات. حينها تهاوت أسعار النفط، وتبع ذلك أزمة اقتصاديّة واجتماعية خانقة، وعندها لم يجد الجزائريون ما يشترونه من المحلات من مواد غذائية أساسية، واضطرت الحكومة آنذاك إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي.

سيناريو التقشف يتكرر
وتتعالى الأصوات المحذرة من انعكاسات تراجع أسعار النفط على اقتصاد البلاد، الذي يعتمد في صادراته بنسبة 98% من المحروقات، ويستورد نحو 70% من حاجيات المواطنين والمؤسسات من الخارج. وقد دفعت هذه الوضعية الحكومة الجزائرية إلى دعوة المواطنين للالتزام بالتقشّف وعدم التبذير. وتريد الحكومة الجزائريّة أن تكون هي البادئة بسياسة عدم التبذير، إذ قرر الرئيس بوتفليقة خلال الاجتماع الوزاري المصغر بمشاركة خبراء اقتصاديين قبيل نهاية 2014، الحد من الإنفاق الحكومي على سفريات المسؤولين الحكوميين إلى الخارج، وتقليص "الكرم الزائد" على الندوات الوطنية والدولية واستقبال الوفود الأجنبية.
ويزداد تخوف الشارع الجزائري من انعكاسات واقع سوق النفط الدولية، بسبب التصريحات الأخيرة للوزير الأول عبد المالك سلال. ويؤكد سلال على توجه الحكومة نحو تجميد التوظيف العمومي في سنة 2015. وأحدثت تصريحات سلال ضجةً بين الشباب الراغب في الحصول على مناصب عمل بهذا القطاع، وخيّم شبح البطالة على آمالهم.

أصوات متفائلة
من ناحية أخرى، وبالعكس من هذه التخوفات، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المالك سراي في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه لا يمكن الحديث عن أزمة اقتصادية بالبلاد في ظل التراجع الحالي لأسعار النفط إلا بعد ستة أشهر من استمرار الأزمة. ويشير سراي إلى أنَّ الجزائر لديها من الإمكانات ما يجعلها تصمد أمام هزة مماثلة إلى غاية ثلاث سنوات كاملة، في حال عدم بيعها برميل نفط واحد. ويضيف سراي أن بعض الإعلاميين غير المتخصصين يهولون الأمور أكثر مما تستحق. ويؤكد ذات المتحدث أنه وبرفقة مجموعة من الخبراء الاقتصاديين، وجهوا دعوات إلى الحكومة كي تتعقل وتدرس جيّداً الوضع الاقتصادي للبلاد وقدراتها في هذا المجال، كي تخرج بأحكام صحيحة. ويشدّد سراي على ضرورة تقليص فاتورة الواردات بوقف استيراد المواد الزائدة عن الحاجة، وتشجيع الإنتاج الوطني، والعمل على استعادة ما قيمته 42 % من الإمكانات المالية للبلاد الموجودة خارج البنوك. ويدعو سراي إلى تحسين الخدمات البنكية وترغيب المواطنين في وضع أموالهم بها، مع وضع خبراء متخصصين على مستوى البنوك، لمراقبة وتدقيق فواتير الاستيراد من الخارج، إذ يلجأ أصحابها سواء عن جهل أو عن قصد إلى تضخيمها، مما يسهم في خسارة البلاد لكميّاتٍ كبيرة من العملة الصعبة. ويشير في السياق ذاته الدكتور عبد المالك سراي إلى أن الوضعية الاقتصادية للبلاد حالياً ليست كتلك التي كانت عليها نهاية الثمانينيات، لأنها قد تخلصت من ديونها الخارجية، وتتوفر على احتياطي صرف من العملة الصعبة يناهز 200 مليار دولار، ولديها صندوق ضبط للإيرادات يتوفر على قيمة مالية تفوق الـ 50 مليار دولار.
ويؤكّد سراي أن الاقتصاد الجزائري قادر على امتصاص الصدمة البترولية بسلام، دون المساس بالجانب الاجتماعي للمواطن، كتقليص للدعم وتقليل مناصب الشغل، والحد من المشاريع الاستثمارية ذات الطابع الاجتماعي، كالسكن وبناء المؤسسات الصحية والتعليمية.
من جهته، وفي حديثه لـ "العربي الجديد"، يقول الخبير في التنمية الزراعية أكلي موسوني، إنه مع استمرار أزمة انخفاض أسعار البترول إلى أكثر من خمس سنوات، سوف تضطر الجزائر إلى الاعتماد على إمكاناتها الوطنية، من فلاحة وسياحة وصناعة، وتطويرها لتتجاوز نهائياً عقدة الاقتصاد الريعي المعتمد على قطاع المحروقات. ويؤكد موسوني أن للجزائر إمكانات فلاحية يمكنها أن تكفيها وتكفي افريقيا، لكنها ما زالت تستورد ما قيمته ثلث واردات افريقيا من الغذاء. ويشير إلى أن الجزائر استوردت خلال عام 2014 مواد غذائية تفوق تكلفتها 11 مليار دولار، في الوقت الذي يمكنها أن تنتج هذه المواد على ترابها. ويطمئن موسوني إلى أن تصريحات الوزير الأول بخصوص تجميد التوظيف في قطاع الوظيف العمومي لا يعني تجميدها في القطاع الاقتصادي، إذ بالمقابل ستنتعش سوق العمل في المجال الاقتصادي بالبلاد بالنظر إلى حتمية توجه الدولة نحو تشجيع الإنتاج المحلي الخالق للثروة في جميع الأنشطة الاقتصادية.

المساهمون