"حنظلة"... مبادرة شبابية فلسطينية في فيينا

14 يناير 2017
من نشطاء نادي حنظلة في فيينا (العربي الجديد)
+ الخط -



وصل نشأت ماضي إلى فيينا من مخيم اليرموك بدمشق في 2006. هو يعتبر نفسه "ابناً لمرحلة صعبة في تاريخ القضية الفلسطينية".

ومثل غيره من عشرات الحديثين والقديمين بعهد الغربة الأوروبية يحملون في ذاكرتهم ما يشبه "حنيناً إلى زمن لا يركن فيه الشاب لظروف وصعوبات، فقضيتنا مذ رضعنا حليب أمهاتنا بدموع مأساة الشتات هي محور وجودنا". هو تعبير لفنان فلسطيني، أيمن إدريس، جاء من مخيم حمص قبل عام فقط ليصبح فوراً جزءاً من مشهد ثقافي يستكمل وجوده في فيينا.


نشْأت وزملاؤه من الشباب الذين رافقهم "العربي الجديد" في تدريباتهم بفيينا، انخرط مبكراً في صفوف الحركة الفلسطينية في المخيمات. جاء اتفاق أوسلو، كما يقول ليشكل "نكسة لواقعنا الذي يسير نحو الهاوية لولا وعي الجيل الجديد. فحتى الاهتمام الذي كان يولى لشباب المخيمات كخزان بشري ثوري توقف. ورغم ذلك بقينا أنا ورفاقي في مرحلة الإيمان بخيارات ثورية معينة، وبالأخص تلك التي ترى بأن القضية العادلة تحتاج كل السبل للدفاع عنها بوعي وتصميم".

ترك نشأت جامعة دمشق، حيث كان يدرس الديكور، ليستأنف دراسته للعمارة في النمسا، ثم يعمل في الديكور مرة أخرى.

الجالية الفلسطينية بالنمسا تحديداً لم تكن سوى بضعة آلاف، ولم يكن لدى نشأت ماضي ورفاقه، من نشطاء فلسطينيين-نمساويين، من خيار سوى أن يكون "حضور جاليتنا فاعلا وحضاريا. و بقدر ما هي صعبة الغربة فإنك لن تتراجع أمامها عن أن تكون فاعلا في محيط غربي يجري تجهيله منهجيا عن قضية ترتبط بوجودك كله كإنسان جاء إلى هذا المجتمع، مع كل الأسئلة المرافقة".


شكلت مرحلة اللجوء السوري، ومنها الفلسطيني السوري، بالنسبة لجيل نشأت ورفاقه في النمسا دافعا نحو فكرة "تجميع الطاقات الشابة القادمة وفي جعبتها الكثير من المواهب والمواقف".

من نشاطات حنظلة في فيينا (العربي الجديد)



 
في فيينا اختلط "القديم بالجديد" من المقيمين، فصار لجالية صغيرة العدد حضور أوسع مما كان في السابق. ورغم ما تعرض له النشاط الفلسطيني "من هجمات قادها لوبي إسرائيلي وبالتعاون مع اليمين المتطرف، إثر نشاط لمؤسسة عكاظ الثقافية بعيد ندوة لليلى خالد في فيينا، إلا أننا استفدنا من علاقتنا بالأحزاب اليسارية المتفهمة لقضيتنا وقضية اللاجئين". ويشير القائمون على مؤسسة حنظلة إلى التعاون الوثيق مع مؤسسة عكاظ الثقافية الفلسطينية النمساوية في النشاطات بين أوساط النمساويين.



من هنا بدأ مشوار انطلاق "مؤسسة ونادي حنظلة" في صفوف الجالية الفلسطينية "إذ لا يقف عمل المؤسسة بين صفوف العرب. نحن بأنشطتنا نتوجه للمحيط الغربي نستكمل مسيرة من سبقنا في صفوف الجالية ونكمّل بعضنا. ولا بد من ذكر الدور الكبير لجورج نقولا الذي حمل على عاتقه، إلى أن أقعده المرض، مهمة تطوير واقع الجالية في النمسا".


تقوم فكرة "حنظلة"، إلى جانب دورها في تسهيل عملية دمج الوافد الجديد، على التصدي "من خلال الثقافة ونشاطاتها المتعددة، من الفيلم إلى الندوة والتعريف بحضارة الفلسطينيين، جذب جيلين هنا، منهم الجيل الثالث والرابع أبناء فلسطينيي خمسينيات أوروبا، والجيل الجديد الذي خرج من مأساة سورية وقد ذهبت 5 سنوات من عمره من دون أن يعيش ما عاشه جيلنا في معترك الهوية الثقافية. هؤلاء لا يجب أن يُتركوا فريسة ضياع الهوية لأنهم أصبحوا أبناء مجتمع غربي. بل ومن خلال تعاوننا مع الأحزاب السياسية نصرّ على المواطنة تحت سقف الدستور. هكذا عملت أيضا الوزيرة منى الدزدار التي كانت أيضا ناشطة، وما تزال، كشابة تحتفظ بثقافة المجتمعين في خلفيتها وتوجهها".



ما يأمله شباب وشابات مؤسسة ونادي "حنظلة" أن "تكون لنا سمة حضارية، تعاكس تماما ما نتعرض له في وسائل الإعلام السلبية بحقنا"، يختصر الشاب أسعد عويدات عضو المؤسسة وفرقتها التراثية. ويضيف "تذوق النمساويين لما نقدمه ثقافياً، وخصوصاً في الموسيقى والدبكة، في احتفالات ندعى إليها، تفتح أيضا نقاشاً عمن نكون ولما نحن هنا وإلى أي مدى يمكن أن نستفيد من صداقات الجيل الفلسطيني المقيم قبلنا مع المجتمع النمساوي وأحزابه".

حنظلة... شباب يحمل طموحات كبيرة في الشتات (العربي الجديد) 





 
قدمت "حنظلة" العام الماضي عروضا عدة أمام الجمهور الغربي وأقامت كذلك أياماً فلسطينية ثقافية من خلال أفلام ومعارض عن "الوجه الآخر للفلسطينيين، غير الذي يحاول اليمين عرضه من ضمن حملاته الممنهجة ضد كل من هو من أصل مهاجر وخصوصا اللاجئين القادمين من سورية".


وعلى الرغم من التنوع الموجود في الجالية الفلسطينية في النمسا، ومن بينها "رابطة فلسطين" ونشاط "نادي المهاجر"، إلا أن "حنظلة" بالنسبة لعضو النادي الشاب أغيد فانوس، القادم حديثاً من حلب "منفتح على الجميع في النمسا".


أغيد ليس حديث عهد بمشاركته مع حوالي 20 شاباً وشابة في فرقة تتبع "حنظلة" فهو كان أيضا عضوا في فرق فنية فلسطينية في سورية. الأمر الذي يعتبر دافعا بالنسبة لمؤسسة حنظلة حين يركزون في حديثهم لـ"العربي الجديد" على مسألة "بين القادمين حديثا طاقات شبابية كبيرة، ومتعلمة ويجب أن يكون هناك مجال لكي تجمع هذه الطاقات في مؤسسات متخصصة.

لكن ذلك يحتاج أيضا إلى دعم جهات ولو معنويا، فحرام أن تذوب وتنتهي الحالات المبدعة في الغربة بدون أن تفيد وتستفيد في تنمية ودعم وجودها ووجود جالية صارت كبيرة" بحسب ما يضيف أيمن إدريس القادم منذ عامين من حمص في وسط سورية.

سرقة الإسرائيليين لتراثنا
يشرح نشأت ماضي بأن "المكان الذي يضم مؤسسة حنظلة وعكاظ عمره أكثر من 45 سنة، فقد تأسس فترة اهتمام الشهيد ماجد أبو شرار بالجاليات ودورها تحت مسمى المركز الثقافي العربي، وهو مركز مرموق وساهم كثيرا في نجاح عربي مميز في النمسا".

لكن ووفقا لماضي وعويدات "فمن غير المنطقي هذا التراجع الحاصل في صفوف الجاليات، فحتى حركة المقاطعة بي دي إس الدولية، وغيرها من الفعاليات، صارت تعبر عن الفلسطينيين أكثر في ظل غياب الرؤيا والمشروع الواضح لفلسطينيي المهجر. وهذه مشكلة كبيرة يجب الانتباه لها".


يشعر ماضي بنوع من الأسى حين يتحدث عن "قيام إسرائيل بسرقة تراثنا وهويتنا وتقديمها في أوروبا وكأنها جزء من "تراث" دولة الاحتلال... فمؤخرا جرى إقامة ما يسمى الشهر الثقافي الإسرائيلي، قًدم فيه الفيلم الفلسطيني (ومنه فيلم عساف) ومأكولات وألبسة تراثية فلسطينية على أنها إسرائيلية... كيف نسمح كفلسطينيين في المهجر أن تتفرق جهودنا ولا ننتبه إلى انعكاس الفرقة وضياع الجهد وعدم الدفع بالطاقات الشابة".

يتدخل الشاب أسعد، وهو مفعم بآمال وطموحات جيل شاب، ليضيف: "لعلها تجربة في الغربة، فمن أين انطلق المشروع الصهيوني؟ أليس من أوروبا؟ فليكن لنا دور عل وعسى أن المهاجر والشتات في أوروبا يكون له دور مستقبلي في المشروع الوطني بأكمله".

ويلفت شباب "حنظلة" إلى الدور الكبير الذي تلعبه "نقابة الأطباء الفلسطينيين في النمسا وهي أكثر المشجعين لدور الشباب في المؤسسة. وهو ينطبق على مؤسسة الجالية الفلسطينية".

ومع تزايد الحضور الفلسطيني في النمسا يجد القائمون على نادي ومؤسسة حنظلة بأن تجربتهم تتقدم من خلال " التركيز فعليا على الطاقات القادمة حديثا من بين الآلاف الذين تغيب عنهم المؤسسات، مع التمني أيضا بألا تتردد أية جهة قادرة على الدعم في مد يدها لكي تتطور الأمور الشبابية بشكل مؤسس ويمثل قضيته وثقافته وحضارته"، كما يختم الشاب أغيد فانوس.

المساهمون