انتخابات برلمانية لتلاميذ الدنمارك: تجربة اسكندنافية في المشاركة الديمقراطية

انتخابات برلمانية لتلاميذ الدنمارك: تجربة اسكندنافية في المشاركة الديمقراطية

01 فبراير 2019
انتخابات اختيار الأحزاب التي تمثلهم (ناصر السهلي)
+ الخط -
توجّه أمس الخميس، نحو 80 ألف تلميذ من الصفوف المدرسية من الثامن حتى العاشر (بين 14 و17 سنة)، لانتخابات اختيار الأحزاب التي تمثلهم في الدنمارك، بعد حملة استمرت 3 أسابيع، وبتغطية إعلامية لا تختلف عن الانتخابات العامّة، في نحو 760 مدرسة. 

وتجري هذه الانتخابات بالتعاون بين البرلمان الدنماركي ووزارة التعليم والمجلس المشترك للشباب الدنماركي، وقد أخذت مكانتها الجدّية في المجتمع بعدما جرت للمرة الأولى في 2015، باتفاق سياسي ووزارة التعليم، وبحملات انتخابية تطابق الانتخابات التشريعية.

وتؤخذ العملية والنتائج بجدّية من مختلف الأحزاب والكتل السياسية ووسائل الإعلام. ولا تختلف الآليات، لا من حيث الرقابة ولا الصناديق ولا فرز الأصوات، عن الانتخابات البرلمانية التي يشارك فيها أولياء أمورهم. والتلاميذ يشرفون بأنفسهم على العملية من ألفها إلى يائها. ويشمل ذلك فرز الأصوات وإعلان النتائج، عدا عن المراقبة والتحقق من هوية المشاركين. وعملياً تبدأ الانتخابات، كما البرلمانية، عند الثامنة صباحاً وتنتهي (مبكراً) عند الثالثة عصراً. ويتابع البرلمانيون في كوبنهاغن بشغف واهتمام إعلامي مجريات هذه الانتخابات والاستطلاعات المترافقة وتوقعات نتائجها.

يتابعون باهتمام نتائج الانتخابات (ناصر السهلي)

 ومع مرور عامين على آخر انتخابات في المدارس في 2017، وقبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات العامة في الدنمارك، دعا رئيس وزراء الدنمارك لارس لوكا راسموسن، في 13 يناير/ كانون الثاني الماضي إلى "انتخابات المدارس البرلمانية".

تعزيز المشاركة الديمقراطية..

الاهتمام السياسي والإعلامي بهذه الانتخابات، التي قرعت جرسها صباح أمس رئيسة البرلمان بيا كيرسغوورد، له عدة اعتبارات. فالمختصون في مشاركة النشء في العملية الديمقراطية في الدنمارك، يرونها "عملية تربوية هامة قبل وصولهم لسنّ 18، والمشاركة كبالغين في الانتخابات البرلمانية، ولأجل زيادة الوعي وإدراك أن الديمقراطية ليست أمراً مسلماً به، بل مشاركة واهتمام بالواجبات والحقوق"، بحسب ما يقول للتلفزيون الدنماركي مدير مشروع الانتخابات، كريستيان يول لينتز.

تؤخذ نتائج الانتخابات بعين الاعتبار (ناصر السهلي)



ويرى لينتز أهمية العملية الانتخابية لتعزيز الثقة السياسية بالنفس، بتأكيده أن "جامعة كوبنهاغن قامت بقياس ثقة التلاميذ بأنفسهم، ووجدت زيادة في الثقة، وهو ما يعدّ أمراً معدياً، بغض النظر عما إذا مارس أم لم يمارس هؤلاء حقهم بالتصويت منذ 2015".

وفي نفس الاتجاه، يذهب بروفيسور العلوم الاجتماعية وخبير الانتخابات في جامعة كوبنهاغن، كاسبر مولر هانسن، لاعتبار التجربة هامة ليجرب النشء بأنفسهم، قبل مشاركتهم في انتخابات برلمان البلد بسنّ الثامنة عشرة. ويرى هذا الخبير أنه "بالطبع هناك مناهج عن الدراسات الاجتماعية في المدارس، وهو موضوع هامّ، لكن الانتخابات والمشاركة في الحملات يحسب كاختبار حقيقي لمقاصد المشاركة والديمقراطية. فالعملية تساهم في تبسيط وضع علامة اختيار الحزب والمرشحين، وبأنها ليست معقدة بل كل ما هو مطلوب الاهتمام بالمشاركة، وهو أمر صحّي للسياسة وللمجتمع، وهذا يجعل النشء يشعرون بأهميتهم وأنهم قادرون على التغيير باتخاذ مواقف والمشاركة العملية لاختيار الانضمام للأحزاب لاحقاً".

أهمية المشاركة في العملية الانتخابية (ناصر السهلي)

وينظر أيضاً إلى هذه الانتخابات كمؤشر على ما يمكن أن تنتجه الانتخابات العامّة بعد بضعة أشهر، إذ تأخذ مراكز الاستطلاعات وقادة الأحزاب السياسية العملية بكل جدّية.

وأظهرت نتائج الانتخابات المدرسية، مساء أمس الخميس، وسط تغطية إعلامية من القنوات التلفزيونية، تقدماً ليسار الوسط في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، بحصوله على 22،6 في المائة من الأصوات، ليحتل مرتبة أولى بين التلاميذ، على عكس انتخابات 2017 حين احتل حزب فينسترا الليبرالي في يمين الوسط مرتبة أولى بواقع 19 في المائة، فيما حصل هذا العام على 17 في المائة، ما يعدّ مؤشراً سيئاً لرئيس الوزراء وزعيم الحزب، لارس لوكا راسمسون. ورغم تقدم يسار الوسط، وتراجع اليمين المتشدد، وتخطي المسيحيين الديمقراطيين لحاجز 4 في المائة، إلا أن كتلة يمين الوسط بقيت الكبرى بما يتجاوز 51 في المائة.

من جهتها، اعتبرت زعيمة حزب "الاجتماعي الديمقراطي"، ميتا فريدركسن، في تعليق للتلفزيون الدنماركي هذه النتيجة تقدماً كبيراً، وأنها تعكس قدرة يسار الوسط على الوصول إلى هذه الفئة من الشبيبة، "فسعادتي كبيرة جداً أننا استطعنا اختراق اليافعين وهو انتصار لاتحاد الشبيبة في حزبنا". وتحاول فريدركسن منافسة اليمين للعودة بيسار الوسط إلى الحكم، بعدما فقد الأغلبية في البرلمان في انتخابات عام 2015.

 

انطلقت وسط تغطية إعلامية (ناصر السهلي)



ومن المثير في نتائج هذه الانتخابات، بحسب الخبراء والمتابعين في البلد، أن القضايا التي اهتم بها المصوتون الشبان هي ذاتها تقريباً التي يهتم بها الكبار. وبرزت مسائل البيئة والتغيرات المناخية كأحد أبرز الاهتمامات بين المصوتين ليسار الوسط، إذ تنشط في مدارس الدنمارك حركة احتجاج تدعو للتدخل في منع ما يسمونه "تخريب البيئة والتأثير السلبي على المناخ"، إلى جانب قضايا الرفاهية والعدالة الاجتماعية، والأهم المساواة والتعددية، وفقاً لنتائج اختيارات التلاميذ.

تعزيز قيم المساواة والتعددية (ناصر السهلي) 

وبرزت أيضاً اهتمامات أخرى لدى الفئة العمرية بين 14 و17 سنة لهذا العام، بحسب ما أظهرته الحملات الانتخابية على مدى الأسابيع الماضية، وهي شبيهة إلى حد ما باهتمامات أسلافهم في انتخابات 2017. فقد اهتم هؤلاء بنسبة 13 في المائة بضرورة خفض ساعات الدوام المدرسي، فيما عبّر 12 في المائة أن الأولوية للأحزاب التي تطرح عقوبات أشدّ لجرائم الاعتداء والعنف، و10 في المائة لتلك التي تطرح زيادة على ضرائب السجائر.​

المساهمون