أم أسعد والخسائر التي لا تنتهي

11 مايو 2018
بحث مستمر عن الأمان (العربي الجديد)
+ الخط -

هي الحاجة أم أسعد وعمرها من عمر نكبة وطنها. في بلدة كويكات الفلسطينية، في قضاء عكا، ولدت في عام 1948، ومنذ ذلك الحين تبحث عن حياة آمنة. يوم لجأت إلى لبنان، لم تدرك ذلك إذ حملها أهلها طفلة صغيرة وتوجّهوا إلى البلد المجاور. لكنّها تدرك جيداً التنقلات الأخرى التي تلت ذلك. وفي النهاية، استقرّت في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت.

في عام 1970، تزوجت أم أسعد من أحد أقربائها، وانتقلت للعيش في سورية مع زوجها المقاول. تقول: "بعد زواجي، أنجبت أربعة أولاد، ثلاثة أبناء وابنة واحدة. وبعد مدّة، طلّقني زوجي وتزوّج من أخرى. أمّا أنا فقد عشت مع أولادي، هناك في سورية. لكنّ واحداً من أبنائي استشهد في عملية عسكرية على الحدود اللبنانية الفلسطينية، في حين أنّ ابني الثاني فُقد خلال الحرب في سورية، والثالث أصيب بحالة نفسية وهو اليوم في مستشفى دير الصليب للأمراض العقلية والنفسية، شرقيّ بيروت". تضيف: "أمّا ابنتي، فقد تزوجت من رجل جزائري قبل اندلاع الحرب في سورية، وخلال الحرب تركت البلاد وسافرت مع زوجها إلى الجزائر". وتتابع: "أودّ السفر إلى الجزائر، فأنا لم يعد لديّ شيء في لبنان، ولا في سورية".

إلى ذلك، تشكو أم أسعد من المعاملة السيئة التي لاقتها في أحد دور الشيخوخة في مخيم برج البراجنة، علماً أنّ تلك الدار تحتضن كبار سنّ كثيرين خلال ساعات النهار وتوفّر لهم الراحة والطعام والأجواء التي تجعلهم يتآلفون بعضهم مع بعض. لكنّ أم أسعد تقول: "لم ألقَ منهم معاملة حسنة. ربّما لأنّني من مخيم اليرموك في سورية". تضيف: "أهلي تخلوا عني، ومركز الشيخوخة طردني، وصاحب المنزل الذي استأجرته في مخيّم البرج أخرجني منه بحجة أنّه يريد تأجيره إلى آخرين. وأنا منذ استأجرت المنزل، أدفع إيجاره من المبلغ الذي أتقاضاه كراتب لابني الشهيد والذي يبلغ 500 ألف ليرة لبنانية (نحو 335 دولاراً أميركياً)". وتشير أم أسعد إلى أنّ راتب الشهيد 500 ألف ليرة، أمّا الذي يموت طبيعياً فإنّ راتبه في الشؤون مليون ليرة (نحو 665 دولاراً)".

وتخبر أم أسعد أنّه "عندما جرى إخراجي من بيتي، بقيت لمدة ثلاثة أشهر من دون مأوى، وصرت أنام هنا وهناك. لم يقبل أحد من مخيم برج البراجنة أن يؤجّرني بيتاً، فانتقلت إلى منطقة عرمون وسكنت هناك في بيت محاذٍ لمستودع. هو في الأساس متصل بالمستودع وتابع له. وصاحب المستودع لم يبنِ لي درجاً حتى أصل إلى البيت، فصرت مضطرة إلى صعود درج المستودع، علماً أنّني أدفع 250 دولاراً كبدل إيجار".

وتلفت أم أسعد إلى أنّه "كنا نعيش حياة عز، لكن بعد زواج زوجي بالمرأة الأخرى تغيّر الوضع. فبعد وفاته، ورثت هي كلّ شيء لأنّه كان قد سجّل كل شيء باسمها. وراحت تتوالى المآسي. ابني البكر استشهد وهو في العشرين من عمره خلال تنفيذه عملية ضد العدو الصهيوني، ولم يكن متزوجاً. وابني الثاني، فُقد قبل أربعة أعوام، وهو متزوج ولديه أربعة أولاد. وابني الثالث الذي يمكث في مستشفى دير الصليب، تدهورت صحته وخسر 20 كيلوغراماً من وزنه. وقد مُنعت من زيارته لمدة شهر ونصف الشهر".




وفي سياق متصل، تشكو أم أسعد من تعامل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) معها في ما يتعلق بابنها في مستشفى دير الصليب، وتقول: "يعذبونني في تأمين احتياجاته. كذلك، منذ أربعة شهور لم أحصل على راتب ابني الشهيد، والحجة أنّ الراتب في سورية. كل ما أريده من هذه الحياة هو تأمين مبلغ من المال لي ولابني حتى نستطيع السفر إلى الجزائر عند ابنتي".

وتتمنى أم أسعد أن تنتهي الحرب في سورية "حتى أعود إلى بيتي الذي كان يؤويني، ويمنعني من التسوّل على أبواب الناس لأتمكّن من العيش بكرامة، بالحد الأدنى. فأنا صرت في السبعين من عمري، وليس لديّ أحد يتكفلني، وابني مريض وأخاف أن أخسره في أيّ لحظة مثلما خسرت أخوَيه في وقت سابق".
المساهمون