مقبرة أيوب معلم تاريخي وسياحي في اسطنبول

مقبرة أيوب معلم تاريخي ومعماري وسياحي في اسطنبول

07 مارس 2018
وجهة سياحية وتاريخية ومدافن غريبة للجلادين (العربي الجديد)
+ الخط -


لا تتميز مدينة إسطنبول بتاريخها وموقعها وتراثها ومعمارها بوصفها عاصمة لاثنتين من أكبر إمبراطوريات الشرق فقط، إذ إن لمقابرها القديمة أيضا ميزاتها الخاصة، وبالذات مقبرة أيوب على حافة القرن الذهبي، والتي تتحول فيها الفكرة التقليدية عن المقابر من كونها مكاناً موحشاً، إلى كونها معرضاً فنياً في الهواء الطلق، لا يؤمه زائر قبور الأقارب فحسب، ولكن كذلك السياح والباحثون بالذات في الفن المعماري العثماني فيما يخص الأبنية وشواهد القبور.

تحولت منطقة أيوب خارج أسوار القسطنطينية بعد فتح المدينة (1453) على يد السلطان العثماني، محمد الفاتح، إلى واحدة من أهم بقاع المدينة المقدسة البعيدة عن المراكز الإسلامية المقدسة في الحجاز والشام والعراق، إذ تقول الرواية التاريخية إن السلطان الفاتح أمر بعد الفتح بالبحث عن مكان دفن الصحابي أبي أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، الذي لحق بجيش الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان المتوجه لحصار القسطنطينية، ليصيبه المرض، ويتم دفنه فرب أسوار القسطنطينية.

بنى العثمانيون مسجداً فوق قبر أبي أيوب، وتحولت المنطقة إلى واحدة من أهم المناطق المقدسة في المدينة، تشهد مراسم تولي العرش لكل سلطان عثماني بعد إعلان القسطنطينية عاصمة للسلطنة، وكذلك استحالت التلة القريبة من القبر إلى مدفن كبير، لمّ رفات السلطان محمد الخامس، وعدد كبير من أبناء السلاطين وزوجاتهم وأخواتهم، إضافة إلى عدد من وزراء الباب العالي والوزراء وكبار المثقفين والموسيقيين والمفكرين وكبار جهاز الإدارة العثماني، إضافة إلى عدد من الشخصيات المهمة في العهد الجمهوري، تبركا بالقرب من قبر الصحابي.

على خلاف معظم المقابر في العالم وبالذات تلك المتواجدة في المشرق العربي، لا أسوار عالية لمقبرة أيوب تفصل بين عالم الموتى وعالم الأحياء، ولا تنحصر زيارة مقبرة أيوب في الأعياد أو مراسم دفن الموتى، ولكن أيضاً تحولت المقبرة إلى واحدة من أهم المعالم السياحية والتاريخية في المدينة، والتي يزورها أبناء المدينة بشكل أساسي إضافة إلى السائحين العرب، وإضافة إلى زيارة المسجد التاريخي، يستخدم الزوار "التلفريك" للصعود إلى قمة التل الذي تتراص على سفحه القبور، والتي تدعى قمة بيار لوتّي على اسم المستشرق الفرنسي بيار لوتي، وفي الأعلى مقهى يطل على القرن الذهبي (الخليج) والذي يفتح بدوره على البوسفور، حيث تظهر أسوار المدينة وأهم معالمها.

إطلالة من مقبرة أيوب على خليج القرن الذهبي (العربي الجديد) 



تقول زائرة تركية تدعى نادرة أوزهاسكي "أحب أن آتي إلى هذه المقبرة، أصلي في مسجد أبي أيوب، وأزور قبر والدي، ولا أخفيك أن الزيارة أيضا بالنسبة لي ليست فقط زيارة قبر ولكن وسيلة للترفيه عن نفسي، أشعر بالراحة في هذا المكان، ولا أحب الصعود بالتلفريك، بل أفضل أن أصعد إلى التل بين القبور، إنها أجمل بقاع إسطنبول بالنسبة لي، هنا يرقد من أحب من أهلي، وكنت أود لو أتمكن من أن أدفن هنا عند موتي".

أما ليلى، وهي لاجئة سورية، فتقول: "عندما أتينا إلى إسطنبول، سكنا في البداية في منزل يطل على المقبرة بشكل مباشر، كان كل من ألتقيه من الأتراك يحسدني على مكان سكننا لقربه من مسجد أبي أيوب، ولم أكن أفهم ذلك، فقد كان رعبا كبيرا بالنسبة لي أن نوافذ غرفة نومي تطل على القبور مباشرة، مع مرور الوقت، بدأت أفهم هذا المكان، بمجرد السير في ممرات هذه المقبرة صعودا إلى بيار لوتي ونزولا إلى ساحل الخليج كنت أنسى اللجوء والغربة".

ينقل التلفريك السياح من فوقها نحو المسجد التاريخي (العربي الجديد) 


من جانبه، يؤكد الباحث المهتم بالمنطقة، عمر فاروق درة، أن للمكان روحه الخاصة، بل ويشكل متحفا في الهواء الطلق حول رؤية العثمانيين للموت بما في ذلك طريقة الدفن وشواهد القبور، بالقول: "إضافة إلى المسجد الجميل بطرازه المعماري، المميز في المنطقة أنها تمثل تلخيصا لرؤية العثمانيين للموت، وتعتبر هذه المقابر الشاسعة متحفا مفتوحا لأنواع شواهد القبور التي تميز العثمانيون بالاعتناء بها، على سبيل المثال هناك شواهد قبور خاصة بكبار موظفي الدولة يتربع على رأسها الطربوش العثماني، وتختلف الشواهد حسب رتبة الموظف العثماني وزمانه بين الطربوش المحمودي والعزيزي والحامدي، وعمامات مختلف أعضاء الجهاز الحكومي في العصور الوسطى والإنكشارية".

تتضمن مقهى ومحال تجارية باتت مقصداً للسياح(العربي الجديد) 


ترفيه وتسوق وسط معلم متميز(العربي الجديد) 


وتابع "هناك شواهد خاصة لشيوخ الطرق الصوفية وأتباعها، والتي يختلف شكلها بين المريد والشيخ وبين ابن الطريقة المولوية أو الطريقة القادرية أوالنقشبندية أوالبكتاشية وغيرها، كما يمكن للمرء أن يميز بين قبر المرأة وقبر الرجل، حيث إن شاهدة قبر المرأة أكثر تزيينا وأناقة، وتتزين شواهد القبور بالنقوش الإسلامية والنباتات والفاكهة، وعندما تتواجد شجرة النخيل على إحدى الشواهد فهذا يعني أن صاحبها ذهب للحج".

أما محمد الذي يعمل في دكان صغير يبيع التذكارات قرب المقبرة مباشرة، فيؤكد أنه يشعر بأنه محظوظ لوجوده في المنطقة، بالقول: "يزور المنطقة بشكل أساسي الزوار الأتراك، ولكن مؤخرا بدأ السياح العرب بالتوافد على المكان، لا نشعر بأي رهبة من المقبرة، بل إن المكان حميم ومليء بالناس، وأكثر من ذلك، أنا أحب هذا المكان وأشعر بأني محظوظ لتواجدي وعملي فيه، يكفيني أن أصلي كل يوم في مسجد أبي أيوب"، إذ إن الأتراك يعتقدون بأن الصلاة في مسجد أبي أيوب الأنصاري تحمل ثوابا أكبر من الصلاة في أي مسجد أخر في المدينة.

وتشبه المنطقة بما في ذلك المسجد، مراسم الزواج وطهور الأطفال في المدينة، ومن الاعتيادي أن تكون زيارة قبر أبي أيوب الأنصاري والمسجد والمقبرة، على أجندة أي عروسين قبل الزواج طلبا للبركة.

وفي قمة التل يتواجد مقهى بيار لوتي الذي أخذ هذا الاسم من المستشرق والضابط الفرنسي بيار لوتي، الذي تشير الرواية التاريخية إلى أنه كان يحب القدوم إلى هذا المكان لشرب الشاي ومشاهدة إسطنبول من الأعلى، حيث تنتشر قرب المقهى دكاكين صغيرة تبيع التذكارات للسائحين، وأيضا محل أو اثنان لصناعة شواهد القبور، الأمر الذي يؤكده عمر فاروق درة، صاحب كتاب " الحضارة التي أنتجت حجار أيوب سلطان".

فيها محال لصناعة شواهد القبور(العربي الجديد) 



مقبرة أيوب مقصد للجميع(العربي الجديد) 


وجود المسجد في نطاقها جعلها مكاناً لعقد القران وحفلات الطهور(العربي الجديد) 


ويقول: "قرب مقهى بيار لوتي، هناك ما لا يعلمه معظم الأتراك بما في ذلك سكان المنطقة وأطفالهم الذين يلعبون بين القبور، وهو أن هذه المقبرة تضم في جنباتها، مقبرة الجلادين العثمانيين، وهي المقبرة الوحيدة في العالم التي تضم الجلادين، الذين كانوا مختصين بتنفيذ أحكام الإعدام السلطانية في إسطنبول، وبينما كانت تبقى دوما هويتهم مخفية وهم أحياء، بعد الموت حتى، تم إبعادهم عن الناس للخوف الذي كانوا يسببونه لهم، ورغم الخراب الذي لحق بمقبرة الجلادين على مدى العصور، قريبا من المقبرة من الممكن رصد ستة أو سبعة شواهد قبور باقية لهم، حيث إن شواهد قبورهم لا زينة عليها ولا اسم، وليست إلا حجارة صماء".

دلالات

المساهمون