وفاة موقوف أردني تجدد النقاش بشأن معاملة المحتجزين

14 نوفمبر 2018
التعذيب وسوء المعاملة بمراكز الاحتجاز مخالف للقوانين(فرانس برس)
+ الخط -


توفي أحد الموقوفين في مركز أمن الجويدة في العاصمة الأردنية عمّان الليلة الماضية، وفي حين أعلنت الأجهزة الأمنية أن الموقوف أقدم على الانتحار شنقاً مستخدما قطعاً من ملابسه، نشر شقيق المتوفى هاني القطارنة منشورا على "فيسبوك" بعنوان" من قتل أخي؟

وفي التفاصيل ذكر بيان أمني أنه "ليل الاثنين الثلاثاء جرى ضبط أحد الأشخاص (بحقه ثلاث مذكرات إحضار) من قبل إحدى دوريات النجدة في منطقة الجويدة بعد ورود شكوى بحقه من قبل أصحاب أحد المحال التجارية بعد تهديدهم بالاعتداء عليهم بواسطة أداة حادة كانت بحوزته وبحرق محلهم". وأشار إلى اصطحاب المقبوض عليه إلى مركز أمن الجويدة، وأثناء وجوده داخل المركز أقدم على الانتحار شنقا مستخدما قطعاً من ملابسه، مبيناً أن محاولات جرت لإسعافه ألا أنه ما لبث أن فارق الحياة.

وأوضح البيان أنه "جرى استدعاء الطبيب الشرعي ومدعي عام عمّان ومدعي عام الشرطة، لمباشرة إجراءات التحقيق وفق الأصول القانونية. وقام مدعي عام عمّان بضبط أقوال المشتكين وأحد الشهود، وجرى تحويل الجثة للطب الشرعي لتحديد سبب الوفاة".

وقال شقيق المتوفى ويدعى هاني قطارنة، إنهم لن يستلموا الجثة، ولن يفتح بيت العزاء إلا حين تظهر الحقيقة. وكتب في منشور على "فيسبوك"، "أنا هاني القطارنة أخو المتوفى عصام القطارنه، أحذر من النشر حول أخي كحالة انتحار"، وطالب الجميع بالتأني، مضيفا "سوف اقوم بالتواصل مع المدعي العام والطبيب الشرعي وإظهار كيف توفي اخوي في المركز الأمني".

سوء المعاملة ليست سابقة

هذه الحادثة فتحت النقاش من جديد بشأن المعاملة التي يتلقاها الموقوفون في المراكز الأمنية في الأردن. وأعادت التذكير بحادثة وقعت في يونيو/حزيران الماضي حين أعلن الأمن أن شاباً موقوفاً توفي منتحرا بضرب رأسه بقضبان غرفة الحجز، بينما أفاد ذوو المذكور أن وفاة ابنهم نجمت عن تعرضه للتعذيب القاسي أثناء وجوده في عهدة الأمن العام.

وبعد ذلك قررت لجنة تحقيق أمنية توقيف 5 من عناصر البحث الجنائي إثر وفاة الموقوف. في حين اعتبر المركز الوطني لحقوق الإنسان في بيان أن "الإجراء الذي اتخذه مدير الأمن العام بتشكيل لجنة تحقيق من قضاة الشرطة أمرت بتوقيف خمسة أفراد من مرتب المركز يمثل خطوة بالاتجاه الصحيح، غير أنه ليس كافيا لأن الدستور الأردني والمعايير الدولية المتعلقة بجريمة التعذيب تقتضي نظر قضايا التعذيب من قبل القضاء المدني صاحب الولاية، بصرف النظر عن الإجراءات التي يتخذها الأمن العام بحق الأشخاص المخالفين بموجب قانون الأمن العام من مرتباته".
 

الانتحار في المراكز الأمنية يثير الريبة

وتقول المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد لـ"العربي الجديد: "سواء كان هناك شبهة جنائية في وفاة النزيل/ الموقوف أو انتحار وفق الرواية الرسمية فإن مسؤولية الأجهزة الأمنية المشرفة على المركز الذي حدثت به الواقعة قائمة، ويعتبرون مقصرين في حماية النزيل ورعايته وفق قانون مراكز الإصلاح والتأهيل والتعليمات الصادرة بموجبه".


وتضيف "في المركز الأمني ينبغي التأكد من أن ظروف الاحتجاز سليمة، وأن التوقيف موافق لأحكام القانون، فالانتحار في المركز يثير الريبة ويطرح احتمال أن يكون النزيل تعرض لتعذيب أو معاملة قاسية أو مهينة، وهذا يؤكد أهمية عدم التوقيف في المراكز الأمنية، وأن يكون للنزيل محام منذ لحظة التوقيف".

وتلفت إلى أن هناك حوادث متكررة لانتحار نزلاء، الأمر الذي يثير التساؤل حول مدى فعالية تطبيق المادة الرابعة من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل التي تلحظ أن يرافق الاحتفاظ بالنزيل مهمة تأمين الرعاية اللازمة له، والمادة السادسة التي اشترطت عند إسكان النزيل أن يكون تحت الرقابة.



11% من الوفيات مرتبطة بالعنف المقصود

كما يوضح الخبير في مواجهة العنف وأخلاقيات المهن الطبية، الدكتور هاني جهشان، مستشار أول الطب الشرعي لـ"العربي الجديد"، أن "جميع وفيات المشتبه بهم بجرائم أو المتهمين أو المطلوبين للعدالة تصنف بأنها حالات قضائية تستجوب الاستقصاء الجنائي، والتشريح الطبي الشرعي حتى يثبت غياب أية شبهة جنائية، وهذا المبدأ مستقر في مرجعيات الطب الشرعي المسندة، ويتم تطبيقه في جميع الدول التي تحترم حقوق الإنسان".

ويضيف: "تشير أغلب الإحصائيات العالمية إلى أن الوفيات الطبيعية تشكل ما نسبته 64 في المائة من مجمل وفيات الموقوفين والمطلوبين للعدالة، ويشكل الانتحار ما نسبته 25 في المائة من هذه الوفيات، وتشكل الوفيات المرتبطة بالعنف المقصود 11 في المائة من تلك الوفيات".

ويقول: "حين يتوفى المطلوب للعدالة أو الموقوف بسبب مفاجئ وغياب أي سيرة مرضية سابقة، إن كان قبل إلقاء القبض عليه أو خلاله أو أثناء توقيفه أو حتى خلال هربه من الشرطة، يكون هناك دائما شبهة بتعرض المطلوب أو الموقوف لإصابات عرضية كالسقوط، أو مقصودة كالضرب المباشر أو تعرضه للتعذيب، وهذا يستوجب إجراء استقصاء تحقيقي كامل مع تشريح الجثة، وتوثيق حالة الجثة وما بها من إصابات أو علامات التعذيب أو علامات لأمراض".
ويتابع جهشان "قد تحدث وفاة الموقوف أثناء التحقيق معه إذا ترافق ذلك مع الضرب المباشر أو وسائل التعذيب الأخرى، ففي بعض الأحيان تكون الإصابة الناتجة عن التعذيب شديدة ويمكن ربطها بحدوث الوفاة مباشرة، وفي أحيان أخرى تحدث الوفاة بالنهي العصبي نتيجة التعرض للألم الشديد، على الرغم من أن الإصابة ذاتها لا تكون شديدة لكي تؤدي للوفاة".

ويبيّن أنه "في حالات التعذيب يتوقع من الطبيب أن يوثق سبب الوفاة وظروفها كما تحقق منها وشاهدها، وبغض النظر عن أي رواية تقدم له في محاولة لطمس ظروف التعذيب، فالأساس الأخلاقي والمهني والحقوقي أن يرفض الطبيب الانصياع لأي ضغوط لتغيير محتوى التقارير الطبية الشرعية".
وتتضاعف وفق جهشان الشبهات حول الوفاة في حال وجود المطلوب في وضعية المنكب على وجهه وتعرضه للضغط على صدره وبطنه، والتي تمنع حركة التنفس الطبيعية التي تلبي زيادة الطلب على الأوكسجين".
ويقول: "من الناحية الإجرائية يتم التعامل مع وفيات الموقوفين والمطلوبين للعدالة بالخطوات التالية: تتطلب هذه الوفيات الاستقصاء عن سبب وظروف الوفاة وتشمل مقابلة الشهود ومراجعة السجلات التي تشمل المعلومات عن الموقوف ما قبل الحبس، والتاريخ الطبي السابق، وسجلات المراقبة والكاميرات الرقمية بالسجن، ومقابلة شهود العيان، إضافة إلى تحديد مكان وظروف الوفاة وتقدير وقت الوفاة والتوثيق الوصفي والتصوير الفوتوغرافي للجثة والكشف الخارجي عليها، وجمع الأدلة منها وإجراء التشريح والتحليل السمي ويتم ذلك بعد التعرف على الجثة وتوثيق التقارير القضائية، والكشف على مكان حدوث الوفاة".


زيادة كبيرة في شكاوى التعذيب في الأردن

ويكشف تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان صدر الشهر الماضي ارتفاع شكاوى التعذيب في الأردن على نحو كبير، وارتفاع عدد الموقوفين إدارياً في الأردن إلى 34952 حالة عام 2017، مقارنةً بـ 30138 حالة سجلت في 2016.

ويربط التقرير هذا الارتفاع بلجوء الإدارات الأمنية باستمرار إلى قانون منع الجرائم رقم (7) لسنة 1954، من خلال التنسيب للحكام الإداريين باتخاذ إجراءات ضبطية بحق بعض الأشخاص من أصحاب السوابق بدواعي الاعتبارات الأمنية.

ويقول التقرير إنه في عام 2017  تلقت الإدارات الأمنية 85 شكوى من مواطنين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي رجال الأمن، مقارنة بـ 63 شكوى تلقتها في 2016.

 

معاقبة المسيئين للموقوف

وسبق لمدير الأمن العام الأردني اللواء فاضل الحمود أن أصدر منتصف العام الحالي تعميمين يتعلقان بالرقابة الصارمة على مراكز التوقيف المؤقتة، لمنع أي تجاوز أو إساءة اياً كان نوعها بحق الموقوفين أو تعدٍ على حقوقهم، مؤكداً ضرورة أن تكون إجراءات التحقيق مع المشتكى عليهم ضمن الأصول القانونية، وبعيدة عن أساليب التحقيق التقليدية التي تحمل إساءات لفظية وجسدية.

وأكد في حينه أنه في حال ثبوت أي تجاوز سيصار إلى تحريك قضية بحق كل مخالف من قبل المدعين العامين في الشرطة حتى وإن لم ترد شكوى رسمية بذلك، واتخاذ أشد العقوبات التي نص عليها القانون في مثل تلك الحالات والتجاوزات والتي قد تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 15 عاماً.

كما سبق للحمود أن أوعز بتشكيل لجنة خاصة لدراسة كل ما ورد لمديرية الأمن العام ووزارة الداخلية من شكاوى وملاحظات حول التوسع في تطبيق تعليمات الإعادة للمراكز الأمنية، والتحويل للحكام الإداريين لوضع تصورات وتعليمات واضحة ومحددة تنظم آليات العمل حسب قانون منع الجرائم، وما يسبقها من إجراءات شرطية تتوافق مع مواد هذا القانون لمنع الجريمة وحماية الأرواح والممتلكات.

وأوضح أن تطبيقه ينحصر بفئة معينة من الأشخاص من ذوي الأسبقيات ومكرري ومعتادي الإجرام أو ممن يشكلون خطورة على المجتمع أو في حالات محددة من القضايا التي يمكن أن يكون لها تبعات أمنية ومجتمعية، ولا يهدف للحد أو التضييق أو حجز الحريات.

المساهمون