بريطانيا تستغلّ الطلاب للتحذير من المهاجرين

بريطانيا تستغلّ الطلاب للتحذير من المهاجرين

30 اغسطس 2017
تظاهرة ببريطانيا رفضاً للعنصرية (دانيال ليال أوليفاس/ فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ تصويت بريطانيا أخيراً على قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، قد بدأ يؤثّر على أعداد المهاجرين الذين يدخلون بريطانيا سنويّاً. وتراجعت نسبة المهاجرين حتى شهر مارس/ آذار الماضي إلى 246 ألفاً، أي بنحو 81 ألفاً عن العام الماضي، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني.

يرتبط هذا الأمر بأسباب عدة، منها تراجع أعداد المهاجرين من دول أوروبا الشرقية. وانخفضت طلبات الحصول على رقم التأمين الوطني من قبل مواطني تلك الدول، والذي يُطلب الحصول عليه من كل شخص يريد العمل في بريطانيا، بنسبة 21% منذ الصيف الماضي. يضاف إلى ذلك تراجع الاقتصاد البريطاني بعد التصويت على البريكست، والأجواء المعادية للمهاجرين عموماً، والتي سادت بعد الاستفتاء. رغم ذلك، يجب التعامل بحذر مع الأرقام الرسمية حول أعداد المهاجرين القادمين إلى بريطانيا.

وتعتمد هذه الأرقام على استبيان صادر في ستينيات القرن الماضي، إلّا أنه لا يعكس الواقع. وأصدر مكتب الإحصاء الوطني بيانات جديدة حول أعداد الطلاب الأجانب من خارج السوق الأوروبية المشتركة، معتمداً على طريقة مختلفة لجمع المعلومات. سابقاً، قدّر عدد الطلاب الأجانب الباقين في البلاد، بعد انتهاء دراستهم، بعشرات الآلاف، إلّا أنّ التقرير الجديد أشار إلى أن العدد لا يتجاوز 4600 شخص. واعتمدت وزارة الداخلية البريطانية على البيانات نفسها، وذكرت أن 176 ألفاً و317 طالباً من بين 181 ألفاً و24 (نحو 97.4%) من الطلاب الأجانب من خارج السوق المشتركة يغادرون البلاد بعد انتهاء دراستهم مباشرة.

أمرٌ أثار جدلاً في صفوف الحكومة البريطانية، وانتقادات للحكومات المحافظة من قبل المعارضة، خصوصاً المؤيّدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لأن هذه الأرقام المضخّمة لأعداد الطلاب الأجانب، والتي ضُمت إلى أعداد المهاجرين، استخدمت للتخويف من قبل مناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

واستغلّ حزب المحافظين مخاوف البريطانيين من أعداد المهاجرين، وتعهد بالعمل على تخفيضهم. ووعدت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بتخفيض العدد إلى ما دون 100 ألف شخص. والمفارقة أنّ الإحصائيّات الجديدة تصبّ في هذا الاتجاه، إذ وصل العدد إلى 248 ألف مهاجر، وهو ما دفع الحكومة إلى الطلب من مكتب الإحصاء مراجعة أعداد المهاجرين بشكل تام ونهائي.



ورغم التراجع الواضح في أعداد المهاجرين، يقول المدير السابق لمكتب رئيسة الوزراء، نيك تيموثي، إنه يجب عدم التقليل من خطورة المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الهجرة إلى البلاد. يضيف أنّ "الأمر لا يتعلق بهجرة أفراد من ثقافات أخرى. لكن في حال أردنا استيعاب المهاجرين بطريقة تسمح لنا بالحفاظ على قيم بلادنا، يجب علينا التحكم بالهجرة وتخفيضها".
إلّا أن جوناثان بورتس، وهو أستاذ علم الاقتصاد في "كينغز كوليدج"، يوضح أن "هذه الأرقام تؤكد ما يعتقده الخبراء بأن أعداد الطلاب مبالغ فيها ضمن أعداد المهاجرين". وطالب زعيم حزب الأحرار الديمقراطيين، فنس كابل، الذي كان عضواً في حكومة ديفيد كاميرون إلى جانب تيريزا ماي، الأخيرة بالاعتذار للطلاب الأجانب بسبب طريقة معاملتهم من قبل وزارة الداخلية، "حاولنا خلال خمس سنوات إقناع وزارة الداخلية بأن الأرقام التي يستخدمونها كدليل مغلوطة، لكنّهم أصروا على الاستناد إلى هذه الأرقام الكاذبة".

وعن حزب العمال، تقول وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية، ديان أبوت، إن "سياسة الهجرة المحافظة معيبة. تصر تيريزا ماي، خلافاً لكافة النصائح، على تحديد هدف الهجرة عند مائة ألف، وهو ما فشلت الحكومات المحافظة في تحقيقه. ويبدو الآن أن حملتها التي بنتها على تشويه صورة الطلاب الأجانب مبنية على تخيلات، من دون أي دليل حول وجود مشاكل ناجمة عن بقاء الطلاب بعد انتهاء تأشيراتهم. ويبدو أن البعض في الحكومة بدأ الانتباه إلى مساهمات الطلاب الأجانب في بلادنا، وطالبوا لجنة الهجرة الاستشارية بجمع الأدلة حول الأمر".

من جهته، يقول النائب عن حزب المحافظين، والوزير السابق، بوب نيل: "أعتقد أن هناك إدراكاً متنامياً داخل الحزب لعدم واقعيّة شمل الطلاب في صافي الهجرة. من الواضح أن الغالبيّة العظمى تعود إلى بلادها. وثانياً، هناك إدراك لمدى أهمية قطاع التعليم في بريطانيا بعد البريكست. التعليم العالي في بلادنا أمر يجب التركيز عليه".