ليبيا 2017: تهجير وفقر وتهريب بشر

ليبيا 2017: تهجير وفقر وتهريب بشر

22 ديسمبر 2017
المواطنون متأثرون بأطراف الأزمة (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

ليبيا ما زالت تعيش أجواء الحرب. 2017 هي السنة السابعة بعد الثورة، والأزمات الاجتماعية والإنسانية تتوالى فصولاً وتمسّ حياة المواطن سواء أكان مهجّراً بسبب المعارك أو مستقراً. وإلى جانب الأمن والاقتصاد تقارير عن استعباد مهاجرين.

عام آخر من أعوام الثورة الليبية السبعة مرّ على البلاد من دون أن يتغير شيء، فالانقسام السياسي والأمني ما زال يلقي بظلاله على الحياة والمجتمع فيها مكرراً فصول المأساة نفسها، وربما زاد عليها مظاهر أخرى لم تكن تعرفها البلاد.

أبرز المحن قضية المهجّرين والنازحين بسبب الحروب المتعاقبة، فسكان الجنوب الليبي من سبها وأوباري اللتين شهدتا انفلاتاً أمنياً كبيراً في السنوات الماضية ما زال أغلبهم خارج بيوتهم يقيمون في مدن ومناطق أخرى، بل هاجر بعضهم خارج البلاد. يضاف ذلك إلى مهجّري الثورة الليبية من المناطق التي كانت تنتمي إلى النظام السابق أو ناصرته في قتاله الثوار عام 2011، ومعظمهم ما زال يقيم في مصر أو تونس أو الجزائر ولم تتمكن سلطات البلاد المتعاقبة من إعادتهم أو إحصائهم.

البارز في هذه القضية، لهذا العام، تهجير قطاع كبير من أهالي مدينة بنغازي التي سيطرت عليها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والتي تسببت في تهجير العائلات الموالية لمجلس شورى بنغازي إلى طرابلس ومصراتة ومدن أخرى في غرب ليبيا. وتقول مصادر، إنّ عددهم يصل إلى نصف سكان المدينة التي يقطنها نحو 800 ألف نسمة. كذلك، فإنّ أسراً أخرى هجّرت من منطقة الهلال النفطي كانت توالي إبراهيم الجضران الذي سيطر على المنطقة لسنوات قبل أن تتمكن قوات حفتر من طرده منها والسيطرة عليها في مارس/ آذار الماضي.

الجانب الإيجابي الوحيد، في هذا الملف، هو تضاعف الجهود المحلية لإعادة مهجّري مدينة تاورغاء، فالمشاورات وصلت إلى حدّ تعيين موعد رجوعهم بين ممثلي تاورغاء وممثلي مصراتة الذين اعترف بحق رجوعهم من دون أن يتمكن الطرفان، حتى الآن، من تحديد موعد حقيقي لرجوعهم.




ومن المظاهر التي تتجه إلى الحلحلة قضية سجون المجموعات المسلحة والمعتقلين داخلها. فباستثناء السجناء السياسيين من رموز النظام السابق، بدأ، منذ مطلع هذا العام، أغلب السجون بإطلاق سراح معتقليه سواء أكانوا من خصوم الطرفين الأساسيين في شرق وغرب البلاد أو من الموالين للنظام السابق تحديداً في مصراتة التي ما زالت تتابع عمليات تسريح المعتقلين الذين تجاوز عددهم 100 معتقل. كذلك، فإنّ سجوناً أخرى تمكنت السلطتان في شرق وغرب البلاد من ضمها رسمياً إليهما. وتبعاً للمظهر الإيجابي في قضية السجون السرية تراجعت بشكل كبير عمليات الخطف والاغتيال التي تنفذها المليشيات المسلحة التي تطلب الفدية المالية مقابل إطلاق سراح مختطفيها، فقد شكلت سيطرة قوات المجلس الرئاسي على منطقة ورشفانة، غرب طرابلس، التي كانت تنطلق منها أغلب عصابات الخطف، نهاية لهذه الأعمال إذ أعلنت الحكومة عن فتح كثير من مخابئ هذه العصابات والقبض على أغلب قادتها وإطلاق سراح المخطوفين.

لم تقتصر أزمة البلاد على مستوى المظاهر العامة للمجتمع، فقد امتدت إلى حياة المواطن بشكل مباشر، فالانهيار الاقتصادي أثّر في تضاعف الأسعار وغياب شبه كلي للسيولة النقدية، وهي أزمة قد تضاعف من مآسي المواطنين المهجّرين خصوصاً، بالإضافة إلى أثرها السلبي على حياة المستقرين. ومن أبرز مظاهر هذه الأزمة التي بدأت بشكل فعلي، منذ مطلع العام الجاري، اتجاه شريحة كبيرة من المواطنين إلى مزاولة مهن ونشاطات مختلفة بغية توفير السيولة النقدية لمواجهة صعوبة الحياة، من دون الاعتماد على الوظيفة الحكومية التي لم يعد يتحصل المواطن على راتبه الشهري منها. وبذلك، بات من الطبيعي أن تجد مواطناً يعمل على سيارته الخاصة في نقل الركاب، وغيره يفتح كشكاً لبيع الخضار أو محلاً صغيراً للحلويات، كما انتشر إقبال الشباب على تعلم مهن كالحدادة والطلاء. ووصل الأمر إلى إعلان ربات منازل عن تكوين مجموعات لبيع الحلويات أو المأكولات وتسويقها عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

مهاجرون (محمود تركية/ فرانس برس) 


أزمة المواطن المعيشية كانت السبب المباشر في عرقلة العملية التعليمية لهذه السنة، فقد أعلن معلمو ليبيا عن اعتصام مفتوح عن العمل وتعطيل المدارس حتى تعلن سلطات البلاد عن زيادة رواتبهم الشهرية الى مستويات مقبولة. فشهدت مدارس أغلب البلاد تأخيراً لانطلاق العام الدارسي لمدة شهرين متتابعين في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، فانطلقت هذا الشهر بعدما حصل المعلمون على وعود حكومية بالتعديل في رواتبهم بداية العام المقبل. هي أزمة هزت قطاع التعليم الذي بالكاد يصارع من أجل البقاء جراء تدمير كبير في بنيته التحتية بسبب المعارك التي دمرت المدارس جزئياً أو كلياً، وأدت إلى غياب التلاميذ بسبب النزوح والتهجير، بالإضافة إلى آثار انقسام الإدارة التعليمية بين حكومتي البلاد.

أبرز فصول الأزمة الليبية المتصاعدة قضية الهجرة غير الشرعية التي بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام الدولي. بعد تراجع خطر الإرهاب نسبياً وتوقف القتال في أغلب الجبهات في الربع الأخير من هذا العام اتجهت أنظار الإعلام المحلي والدولي لتغطية أحداث الهجرة غير الشرعية التي باتت البلاد طريقاً رئيسياً لها من أفريقيا إلى أوروبا.

وقد تمكنت قوة، متنازع على تبعيتها بين السلطتين، من السيطرة على أهم نقاط تهريب المهاجرين عبر البحر وهي مدينة صبراتة الواقعة غرب طرابلس بنحو 70 كم في أكتوبر الماضي وطرد مليشيات أحمد العمو ومسانديه من مهربي البشر منها. لكنّ عمليات الإنقاذ في عرض البحر من جانب سفن الإنقاذ الأوروبية أو خفر السواحل الليبي ما زالت تعلن عن غرق العشرات، لتتوج القضية بتقرير بثته قناة "سي إن إن" الأميركية، منتصف الشهر الماضي، حول أسواق لبيع العبيد في جنوب ليبيا. وهو ما أثار موجة غضب دولية.

وتتهم أطراف ليبية جهات أجنبية بالسعي إلى توطين المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، أو اتخاذ القضية وسيلة للتدخل في ليبيا، لا سيما بعدما كشف تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تراجع أعداد المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا ونفي سلطات دول كالنيجر تعرض مهاجرين منها للبيع كعبيد.

تحولت قصة الهجرة غير الشرعية من بعد إنساني إلى ملف تسعى أطراف محلية ودولية استثماره سياسياً، فيما يستمر مهربو البشر في استثماره اقتصادياً لجمع الأموال التي لا يعرف أين تذهب، فربما يجري دعم شبكات الإرهاب خصوصاً تنظيم "داعش" بها، وهو الذي يعتقد أنّه سيظهر مجدداً في ليبيا بعد تضاؤل حضوره في سورية والعراق.