وهب الأعضاء في إيران... ثقافة تنقذ أرواحاً

وهب الأعضاء في إيران... ثقافة تنقذ أرواحاً

26 يناير 2017
مريض غسيل كلى في انتظار متبرّع (بهروز مهري/فرانس برس)
+ الخط -



في إيران، ما بين 25 و30 ألف مريض على لوائح الانتظار، يأملون في الحصول على أعضاء قد ينقذ زرعها حياتهم. هؤلاء ينتظرون قرار عائلات أفراد ماتوا دماغياً.

في أغسطس/آب من عام 2014 سقطت طائرة تابعة لشركة "سباهان" الإيرانية بعد إقلاعها من مطار مهر آباد الواقع غربيّ العاصمة طهران، فتحطّمت وقضى على الأثر 48 من ركابها. وعلى مقربة من موقع تحطّم الطائرة، ارتطم رأس شابة تبلغ من العمر 21 عاماً بالرصيف في حادث سير. سائق سيارة الأجرة انشغل بمشهد الطائرة وهي تسقط، ففقد السيطرة. بعد موت دماغي، وافقت عائلتها على التبرّع ببعض أعضائها، بعدما أقنعها الأطباء بذلك، فأعادت الحياة إلى أربعة أشخاص. بذلك، أتت قصتها أكثر تأثيراً من حادثة تحطّم الطائرة.

خلال السنوات الأخيرة، لوحظ ارتفاع في عدد الإيرانيين حاملي "بطاقة واهب أعضاء" عقب الوفاة، الأمر الذي يجعلهم من المتبرّعين طوعاً. كذلك، لوحظ ارتفاع عدد الواهبين إثر موافقة عائلاتهم، بعد وفاتهم، خصوصاً موتهم دماغياً. هكذا، يتحوّل الأمر إلى ما يشبه الثقافة الاجتماعية التي يرتفع مستواها يوماً بعد يوم، على الرغم من رفض كثيرين لها في السابق.

سعيد طباطبائي يحمل بطاقة واهب أعضاء، يقول إنّه يعرف أنّ "كلّ عائلة من تلك العائلات، سواء عائلة المريض أو الشخص المتوفى، تعاني كثيراً. ليس من السهل على عائلة أن تتحمّل وهب عضو ابنها بعد وفاته، وليس من السهل إبقاء عائلة ثانية في انتظار هدية من هذا النوع لعلاج ابنها الذي يُعاني مرضاً صعباً". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّه اتخذ قراره "لعلمي بأنّه سوف ينقذ أرواح أشخاص عدّة وليس واحداً فحسب"، واصفاً الأمر بأنّه "إنسانيّ بحت". يضيف أنّ "القرار صعب"، ويتذكّر تجربة العائلة مع والده الذي توفى بعد موت دماغي، إذ اقتنعت بطلب الأطباء وهب أعضائه. ويتابع: "أعرف أشخاصاً كثيرين قاموا بالأمر ذاته، لكنّ ثمّة آخرين ما زالوا يرفضون الفكرة، خصوصاً حين يدور الحديث عن الموافقة على اتخاذ القرار بدلاً من شخص توفّى في عائلتهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد واهبي الأعضاء راح يتزايد منذ عام 2012. وتفيد مواقع رسمية بأنّ 96.3 في المائة من العائلات التي يُقترح عليها وهب أعضاء مريضها المتوفى بسبب الموت الدماغي باتت توافق على الأمر، خصوصاً أنّ التبرّع يكون ببعض الأعضاء ليدفن جثمانه بعدها.

وفي يونيو/ حزيران الماضي، أكّدت وزارة الصحة أنّه في عام 2005 كانت عائلة واحدة من بين مليون عائلة ترضى بوهب أعضاء مريضها المتوفى. لكنّ النسبة ارتفعت إلى 10.47 من بين مليون، وهذا يرفع إيران لتصل إلى المرتبة 31 بين دول العالم لجهة عدد واهبي الأعضاء، بينما كانت في المرتبة 42. كذلك حصلت قبل مدّة على المرتبة الثالثة عالمياً لجهة نسبة الرضا الاجتماعي بالأمر.




إلى ذلك، أوضحت الوزارة أنّ في اليوم الواحد يتوفى سبعة أشخاص تقريباً بسبب عدم زرع عضو يحتاجون إليه. في المقابل، يتوفى ما بين خمسة آلاف وثمانية آلاف شخص دماغياً. من بين هؤلاء ما بين ألفَين و500 وأربعة آلاف قادرون على وهب أعضائهم، لتمتعهم بالشروط المطلوبة. لكنّ المستشفيات المتخصصة، بحسب وكالة الأنباء الرسمية، تشير إلى أنّ 700 منهم فقط يهبون أعضاءهم عملياً. بالتالي، على الرغم من ارتفاع النسب خلال السنوات الماضية، إلا أنّها لم تصل إلى المستوى المطلوب لتخليص آخرين. وبحسب دراسات نشرتها مواقع تابعة لوزارة الصحة، فإنّ الأمر يعود إلى الذين لا يوافقون على وهب أعضاء قريبهم المتوفى أو لا يعرفون عن الأمر. وهذه المسؤولية تقع على عاتق الأطباء.

يقول الطبيب المتخصص ووكيل المدير العام في نقابة التبرّع بالأعضاء، الدكتور أمير قبادي، إنّ "الذين يحتاجون إلى زرع أعضاء ومسجّلين على قوائم، تزيد أعدادهم عن 25 ألفاً. لكنّ الأعداد هي أكثر بكثير في الحقيقة. والعشرات يفقدون حياتهم نتيجة عدم حصولهم على العضو المطلوب زرعه". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أكثر المرضى يحتاجون إلى كلى. وهذه حاجة في كلّ العالم وليس في إيران وحدها". ويشجّع على "الوهب. من الضروري نشر هذه الثقافة، لا سيّما أنّ الأمر مشروط ولا يشمل كلّ المتوفين"، متحدثاً عن لقاءات مع مسؤولين ومعنيين لدعم المستشفيات والجمعيات المتخصصة بهدف إنقاذ حياة كثيرين.

ويشرح قبادي أنّ "الواهب يجب أن يتمتع بشروط معينة، وهو ما يجعل كثيرين غير قادرين على ذلك. ثمّة شروط تتعلق بفصيلة الدم والخلايا والأنسجة. وعندما يتعلق الأمر بعمليات زرع صعبة كزراعة القلب مثلاً، تتعقد الأمور أكثر. لكن في كلّ الأحوال، يخضع كلّ واهب متوفى أو كلّ من قرّر الوهب بنفسه إلى تقديرات طبية دقيقة". ويلفت إلى أنّ "في بعض الحالات، يُصار التبرّع من قبل واهب حيّ، كـالتبرّع بكلية أو بجزء من الكبد. وهو ما يفعله بعض الآباء والأمهات لإنقاذ أطفالهم".

في السياق، تشير مواقع إيرانية إلى أنّ الحالات التي بات الأفراد يقرّرون فيها وهب أعضائهم بأنفسهم بعد وفاتهم، إلى ارتفاع، وتراوح أعمار هؤلاء ما بين 20 و30 عاماً. وفي البلاد اليوم، نحو ثلاثة ملايين واهب مستعدّون للتبرّع بأعضائهم في حال تعرّضوا للوفاة في أي لحظة. وهو ما يعني إنقاذ كلّ واحد منهم نحو سبعة أو ثمانية أشخاص.

إلى ذلك، أصبح العشرون من مايو/ أيار يوماً وطنياً لوهب الأعضاء، بالتزامن مع الترويج لوجهات نظر الفقهاء ورجال الدين حول الأمر، طالما أنّه لا يضرّ بالفرد ويصبّ في مصلحة آخر.

دلالات

المساهمون