أمل بأطراف صناعيّة

أمل بأطراف صناعيّة

14 سبتمبر 2016
ربّما يوفَّق بحياة جديدة (ماريو تاما/ Getty)
+ الخط -

لطالما وقع العراقيون ضحيّة للحروب والصراعات الداخلية التي لم تكتفِ بحرمانهم من أرزاقهم أو إزهاق أرواحهم، بل راحت أيضاً تقضم بعضاً من أجسادهم، كأنّها ترغب في تذكيرهم بأنّها مرّت من هنا أو بأنّها لن تسمح لهم بالإفلات من قبضتها.

ويجد آلاف العراقيين أنفسهم اليوم، وقد فقدوا يداً أو رجلاً أو أكثر من يد ورجل. يجدون أنفسهم وقد أصبحوا عاجزين عن المضيّ قدماً في الحياة، مهما كانت ظروفها بائسة. فتأتي الأطراف الصناعيّة التي راحت تزدهر تجارتها في السنوات الأخيرة، لتمثّل أملاً جديداً بالنسبة إلى هؤلاء.

يوضح فرقد الزبيدي المتخصص في تصنيع الأطراف الصناعية وتركيبها، أنّ "هذه الأطراف وفرت بديلاً للأشخاص المعوّقين، عن أيديهم وأرجلهم التي فقدوها خلال الصراعات ومن جرّاء التفجيرات التي ما زالت تضرب البلاد منذ عام 2003. بالتالي، منحتهم بعضاً من ثقة في النفس وأملاً بحياة جديدة". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أبرز الأطراف الصناعية المطلوبة هي الأرجل، خصوصاً بعد عمليات البتر، التي يخضع لها عراقيون بالمئات، عقب إصابتهم من جرّاء تفجيرات". أمّا أسعارها، فتتراوح بحسب الزبيدي "ما بين 700 و900 دولار أميركي لطرف سفلي يصل إلى فوق الركبة، وما بين 500 و700 دولار تقريباً للطرف دون الركبة".

ويتابع الزبيدي أنّ "تجّار الأطراف الصناعية في العراق يستوردون ما يحتاجونه من دول مختلفة، أبرزها ألمانيا وتركيا، فيما أنشئ عدد من المصانع والورش المتخصصة في صناعتها محلياً بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية لسدّ الحاجة الكبيرة لدى الأشخاص المعوّقين والتقليل من نفقاتهم الكبيرة المرتبطة بالأطراف المستوردة".

وهذه الأطراف الصناعية، بحسب ما يفيد باحثون اجتماعيون، تعيد بعضاً من أمل في حياة جديدة لمن فقد أحد أطرافه وأصبح معوّقاً عن الحركة وغير قادر على العمل. تقول الباحثة الاجتماعية، ربى السماوي، أنّ "الأطراف الصناعية انتشرت بطريقة لافتة خلال السنوات القليلة الماضية مع اشتداد المعارك وتزايد التفجيرات، التي خلّفت ألماً نفسياً كبيراً لآلاف العراقيين من مختلف الأعمار. ولا بدّ من إعادة الأمل إليهم عبر توفير ما يحتاجونه من تلك الأطراف". وتشير السماوي إلى أنّ "عشرات الأشخاص المعوّقين استطاعوا العودة إلى العمل وممارسة حياتهم اليومية بطريقة طبيعية، بعد تركيب أطراف صناعية. وقد رفع ذلك معنوياتهم ومنحهم أملاً".




منتهى الدوري في الثامنة عشرة من عمرها، فقدت ساقها قبل عامَين في انفجار سيارة مفخخة في بغداد. دفع بها ذلك إلى العزلة، فتركت مدرستها لعام كامل، لكنّها سرعان ما عادت إليها بعد تركيب طرف صناعي. تقول: "كانت صدمة نفسية كبيرة بعد إصابتي وبتر ساقي اليمنى. رحت أشعر بخجل كبير، وبقيت بعد العملية الجراحية لأشهر طويلة في المنزل، فتركت الدراسة". لكن، بعدما ركّب طرف صناعي لها وتدرّبت في أحد المراكز المتخصصة على المشي بالطرف الجديد، "وجدت نفسي أستطيع التحرّك بطريقة شبه طبيعية. وعدت إلى دراستي وحياتي اليومية وأصبح أملي في الحياة أكبر بكثير".

يتراوح عدد الذين يعمدون إلى تركيب أطراف صناعية ما بين عشرين وثلاثين شخصاً في اليوم الواحد، بحسب ما يشير مضر الجنابي، وهو صاحب مركز متخصص في تصنيع الأطراف الصناعية وتركيبها. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ هؤلاء "من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسَين، وغالباً ما نجدهم في حالة نفسية سيئة. فنعمد إلى تحسين حالتهم النفسية في البداية". يضيف أنّ "المرحلة الثانية تكون باختيار الطرف الصناعي المناسب، ثم نبدأ بتدريب الشخص على المشي بالطرف الجديد، لتمكينه من التحكم به. وقد وجدنا تجاوباً كبيراً وتحسناً في نفسية المصابين".

مراكز عراقيّة ضروريّة

اليوم، تنتشر عشرات المراكز المتخصصة في تصنيع الأطراف الصناعية وتركيبها في العاصمة العراقية بغداد وفي مناطق كثيرة، لا سيّما كربلاء والنجف وميسان والموصل وكركوك والأنبار وديالى والناصرية وصلاح الدين وغيرها. ولم يعد من الممكن الاستغناء عن تلك المراكز التي تتعاون مع عيادات طبية ومستشفيات من أجل مصلحة العراقيين الجرحى الذين فقدوا أياً من أطرافهم العليا أم السفلى.