إيناس نوفل... عداءة غزّة الأصغر

19 ابريل 2016
تتدرب في الصباح الباكر (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -
كانت إيناس نوفل فتاة شقيّة منذ كانت طفلة. اعتادت لعب كرة القدم في المدرسة، وكانت تملك دراجة هوائيّة تقودها في شوارع وأزقة المخيّم حيث تعيش. أحبت رياضة الجري بعدما رأت نساء يقطعن مسافات طويلة خلال مشاركتهن في مسابقات عالمية. وحلمت بأن تكون عداءة فلسطينية من قطاع غزة.

نوفل، التي أكملت عامها الخامس عشر قبل أيام، تعدّ العداءة الوحيدة في قطاع غزة اليوم. عملت على تطوير موهبتها بإصرار وحب ورغبة في تحقيق طموحاتها، بدعم من والدها الذي آمن بها. يقول والدها محمد، لـ "العربي الجديد"، إنه قبل تسعة أشهر، طلبت إيناس من أهلها مساعدتها لتطوير مهاراتها في الركض أو الدبكة الفلسطينية. بدأت التدريب مع العداء سامي نتيل، وكانت أول تجربة حقيقية لها في ملعب المصدر الخاص، حيث ركضت مسافة 200 متر.

من جهته، يقول مدرّبها إنها تمكنت من الركض، فعرف أن لديها الموهبة واللياقة، لكنها تحتاج إلى التدريب والدعم. أما إيناس فتوضح أنها "بعدما ركضتُ 200 متر، شعرت بتعب وإرهاق شديدين. لكن بعد ثلاثة أشهر من التدريب المتواصل، بدأت أشعر بتحسن كبير في لياقتي البدنية. وبعد تسعة أشهر، صرت قادرة على قطع مسافة عشرة كيلومترات في مدة لا تزيد عن الخمسين دقيقة".

تستيقظ إيناس باكراً. يقلّها والدها بسيارته إلى الملعب حيث تتدرّب. بعدها، تعود إلى المنزل لتناول فطورها وتستعد للذهاب إلى مدرستها. يشرح المدرب أن التدريبات كانت صعبة في البداية. كان على إيناس السير بخطوات سريعة مع الحفاظ على تنفسها وليونة عضلاتها. قبل البدء بالركض، تمارس بعض التمارين الخاصة باللياقة البدنية. تحرص على الالتزام بتعليمات مدربها بشكل جدي وحرفية عالية. على سبيل المثال، تعرف أنه لا يجب تناول الطعام إلا قبل ساعتين أو أربع ساعات من بدء التدريب. تضيف أنه عادة ما تتدرب لمدة ساعة واحدة في الصباح، علماً بأن التدريب يكون على مرحلتين: الأولى في الملعب والثانية على آلة الركض في المنزل. تقول: "يجب أن تكون خطواتي متزنة ونفسي عميق".

إذاً، لا تقتصر التدريبات على الملعب. يقول المدرب إن "الملعب ليس جيداً طوال الوقت، وليس فيه مضمار خاص للركض. وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها العداؤون في قطاع غزة. ليس هناك ملعب مجهز بالأرضية اللازمة للركض، والتي نراها في الملاعب الدولية. لذلك، نوسع أماكن التدريب في شوارع المخيم أو على شاطئ البحر. ويصبح التمرين أكثر صعوبة، وإن كان جيداً لإيناس".
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، نظّم الاتحاد الرياضي الفلسطيني في قطاع غزة ماراثون بيت حانون، وهو السباق المختلط الأول من نوعه. حصلت على المركز الأول بعدما قطعت مسافة 800 متر، وذلك بعد ثلاثة أشهر من التدريبات. يقول والدها: "غمرتنا الفرحة ونحن نرى إيناس تحمل الكأس. كانت لحظة الاعتراف الأول بموهبتها، مما دفعنا إلى تقديم المزيد من الدعم لها".

بعد هذا النجاح، بدأت إيناس تحضيراتها للمشاركة في ماراثون بيت لحم لمسافة 1500 متر، والذي نظم بداية الشهر الحالي. أرادت تحقيق المركز الأول على مستوى الوطن، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي رفض منحها الترخيص اللازم لدخول أراضي الضفة الغربية.
لم تندم إيناس بسبب التدريبات المكثّفة التي خضعت لها على مدى تسعة أشهر للمشاركة في الماراثون. لكن يضايقها أنها لا تستطيع الخروج من قطاع غزة، والمشاركة في أي سباق دولي أو إقليمي، إلا بعد موافقة الاحتلال الإسرائيلي.
يتحدث والدها عن نظرة الناس إليها كعداءة، علماً بأن رؤية فتاة تركض بلباس رياضي في الشارع يعدّ أمراً غريباً ومستهجناً. يقول إن "المجتمع يفتقر إلى التوعية والنضج. كان الأهل والجيران يسألونني: كيف تجعل ابنتك تركض في الشوارع هكذا؟ كنت مصراً على دعمها وخصوصاً أنها تحب هذه الرياضة". وبعد فوزها في سباق الـ 800 متر، الذي نظمه الاتحاد، بدأ الأهالي والأصدقاء يشجعونها.

في هذا السياق، يقول مدربها إن إيناس شكلت نموذجاً للفتاة الناجحة، واستطاعت إقناع عدد من صديقاتها بأهمية رياضة الركض، وشكلن فريقاً من الفتيات العداءات.
أخيراً، حققت نوفل المركز الأول في ماراثون لإحياء ذكرى يوم الأسير الفلسطيني الذي نظمه الاتحاد الفلسطيني في جامعة الأقصى، وذلك في سباق الثلاثة آلاف متر. كذلك، دعيت للمشاركة في سباق الـ 1500 متر في روسيا في يوليو/تموز المقبل، كممثلة عن فلسطين، وتأمل أن تتمكن من المشاركة. كما تحلم أن تشارك في أولمبياد طوكيو عام 2020 والحصول على الميدالية الذهبية.

المساهمون