تعاني رياض الأطفال في قطاع غزة من مشاكل كثيرة. تمتد من المباني غير المجهزة وفقاً لمعايير وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وصولاً إلى عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور. غالباً ما تقدّم نصف الحد الأدنى أو ربعه حتى للمدرسات والمربيات، كذلك توظف من لا يملكن شهادات جامعية أو حتى ثانوية.
هي في الأساس رياض أطفال غير مرخصة لكنّها تنتشر في مناطق وسط القطاع وشماله، بعيداً عن الشوارع الرئيسية، بعضها في مناطق مهمشة وقريبة من مناطق التماس مع الاحتلال الإسرائيلي. داخل الرياض، تنعدم معايير الصحة العامة، فالأرض متسخة والقمامة في كلّ مكان، والألعاب قديمة جداً بعضها تالف. على الرغم من ذلك، يضع الأهل أطفالهم فيها، مع علمهم أنّ الفصل الواحد يضم أكثر من أربعين طفلاً تشرف عليهم مربية واحدة فقط.
فدوى التري أم لطفلين. سحبت ابنيها من روضة قريبة من منزلها في حي الزيتون شرق مدينة غزة، بعد مشاهدتها الحمامات المتسخة وضيق المكان. تقول لـ"العربي الجديد": "في الوقت الحالي تحاول الرياض إغراء العائلات برسومها المنخفضة، نظراً للظروف المادية الصعبة التي يعاني منها القطاع. لكنّها لا تلتزم في معظمها بمعايير النظافة ولا التعليم، ما يؤثر سلباً على الأطفال".
تشير التري إلى أنّ أسراً عديدة في غزة تمنح ثقتها لهذه الرياض، وتدّعي المدرّسات أمام أولياء الأمور أنّهن يرعين الأطفال بمختلف احتياجاتهم. تتابع: "في الحقيقة أصبح عدد من الرياض مجرد مشاريع لكسب المال من دون رعاية حقيقية، وتتحمل وزارة التربية والتعليم هذه المسؤولية".
بدورها، تلاسنت المهندسة هداية الأسطل مع إحدى المدرّسات عندما شاهدت بعينها الإهمال الواقع لبعض الأطفال داخل روضة في خان يونس جنوب القطاع. تقول لـ"العربي الجديد": "أكثر من ثلثي الرياض في جنوب القطاع غير مراقبة ولا تتوفر آلية لحماية الطفولة ولا تطور في المنهاج التعليمي، على الرغم من أنّه أكثر جيل تعليمي خطورة". وقد نقلت الأسطل ابنتها إلى روضة أخرى تتبع مؤسسة ثقافية تتميز برقابة مشددة وتطور علمي. تشير إلى أنّ رياض الأطفال في مدينتها أصبحت مشاريع استغلالية تفتقر إلى مستويات التعليم الملائمة. تقول: "الانقسام السياسي في القطاع ألقى بظلاله على ضعف القطاع التعليمي وحوّله إلى مشاريع تجارية، مع انعدام الرقابة على مختلف المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها".
شقيقتها مريم الأسطل عملت قبل ثمانية أعوام مدرّسة في روضة. هناك لاقت معاملة سيئة. تضيف: "مدرّسات كثيرات في رياض غزة لا يحملن شهادات تعليمية. من هنا فإنّ المعاملة الحسنة مع الأطفال هي شكلية لا غير. وهو ما يجعل واقع التعليم فيها سيئاً".
اقرأ أيضاً: 7 أطفال ينتظرون عودة والدتهم
زارت "العربي الجديد" إحدى رياض الأطفال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. تقع في منزل مساحته 200 متر مربع. بالقرب من البوابة، مساحة صغيرة فيها ألعاب الأطفال وبعض المزروعات بشكل جميل. لكن في الداخل ممرات متسخة، وصفوف ضيقة، ومربية مرتفعة الصوت لا يتفاعل الأطفال معها. أما دورات المياه، فلا تصلح للاستخدام، عدا عن عدم تنظيفها منذ فترة. ومع سؤال إحدى المربيات عن ذلك، تجيب: "الأطفال لا يدخلون من الأساس إليه، وهناك حمام نظيف آخر"، من دون أن ترشد إليه.
تقول مديرة إحدى رياض الأطفال غير المرخصة في شمال قطاع غزة: "الرسوم التي نحصل عليها عن الأطفال، تكفي للتجهيزات بالإضافة إلى رواتب المربيات، فهي تصل إلى نحو 1400 دولار أميركي شهرياً عن 130 طفلاً". تبرر عدم الترخيص بعدم القدرة على تحمل كلفته السنوية التي تتقاضاه وزارة التربية.
تصل رسوم الروضة إلى نحو 10 دولارات شهرياً عن كلّ طفل، مقارنة مع نحو 40 دولاراً للروضات المرخصة ذات المستوى المقبول. وهو ما يشير إلى لجوء عدد كبير من العائلات الغزية إلى رياض الأطفال غير المرخصة بسبب سوء الوضع الاقتصادي.
إلى ذلك، تقول رويدا أحمد التي كانت تعمل مدرّسة روضة قبل عام: "الرياض غير المرخصة مشكلة كبيرة جداً فهي تقدم رواتب زهيدة جداً تكاد لا تذكر للمدرّسات يتدنى بعضها إلى 70 دولاراً". تشير إلى أنّ هذه الرواتب شجعت الرياض المرخصة على تقليص رواتب المدرّسات فيها أيضاً.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تأكيد مديرة دائرة التعليم الخاص في وزارة التربية حنان الحاج أحمد، أنّ عدد الرياض غير المرخص في غزة هو 168 فقط، يشير الوكيل السابق لوزارة العمل، صقر أبو هين، إلى أنّ الرقم أكبر بكثير. ويرجّح أن يكون عددها مساوياً لرياض الأطفال المرخصة.
اقرأ أيضاً: أيتام غزّة محتاجون