نادي قضاة مصر يشعل أزمة بتعديل الإجراءات الجنائية

نادي قضاة مصر يشعل أزمة بتعديل الإجراءات الجنائية

03 نوفمبر 2016
دار القضاء العالي (الأناضول)
+ الخط -
تسبب نادي القضاة المصري في إشعال أزمة حادة جديدة وخلافات بين الهيئات القضائية بسبب مشروع تعديلات قانون الإجراءات الجنائية والتقاضي، بعد أن هدأت الأزمة قبل نحو 15 شهراً، وتحديداً منذ أغسطس/آب 2015، برفض مجلس القضاء الأعلى وقتها مشروع التعديلات التي أعدّها قطاع التشريع بوزارة العدل، وقت تولي الوزير المقال أحمد الزند.


وقام رئيس نادي القضاة خلال الأسبوع الماضي، بالإعلان عن تشكيل مجلس استشاري يضم أندية قضاة الأقاليم، تحت مسمى "المجلس الاستشاري لأندية قضاة مصر"، والذي عقد أول اجتماعاته يوم الجمعة الماضية، وناقش في أول اجتماعاته هذه التعديلات مجددا، بل قام بتشكيل لجان لمراجعتها تمهيدا لعرضها على مجلس القضاء الأعلى والبرلمان لإقرارها، رغم الأزمات التي حدثت عندما عرض مشروع القانون العام الماضي، ورفْض مجلس القضاء الأعلى لها، واعتراض مجلس الدولة عليها، ورفض نقابة المحامين لها.

ووفقا للمعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد"، فإن التعديلات المقترحة شملت أربع مواد من أصل ست مواد تم رفضها سابقا، وبذات صياغتها المتسببة في الأزمة التي بدأت ملامحها مبكرا بين الجهات، مع استبعاد مادتين إحداهما طالبت محكمة استئناف القاهرة بإقرارها.

وشمل التعديل الأول المقترح إلغاء إلزام النيابة العامة الطعن أمام محكمة النقض على الأحكام الصادرة بالإعدام بإلغاء نص المادة 486 من "أحكام وتعليمات النيابة العامة".

والثاني تقليص المدة المسموح فيها بالطعن على الأحكام إلى 40 يوما بدلا من 60 يوما، وذلك بتعديل نص المادة المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959.

والثالث أن يكون سماع الشهود أمرا جوازيا لرئيس المحكمة وليس وجوبيا، وذلك بتعديل نص المادة 277 من قانون الإجراءات الجنائية. والرابع تعديل خاص بإعادة الإجراءات للمتهمين الهاربين بعد القبض عليهم أمام ذات المحكمة، وذلك بأن تصبح الأحكام حضورية بعد إعلان المتهمين وإلغاء نظام إعادة محاكمة المتهم الغائب أو الهارب من جديد فور القبض عليه، وذلك بتعديل المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية.
فيما تم استبعاد مقترح إصدار قانون بإنشاء محكمة للإرهاب، لتكون مثل "محكمة الأسرة" أو "محكمة الطفل"، بدلا من "دوائر الإرهاب" التابعة لمحاكم الجنايات، ومقترح إلغاء الطعن على أحكام الجنح أمام محكمة النقض، بشكل كامل، من خلال إلغاء المادة الخاصة بها في قانون الإجراءات الجنائية.

وإشتعلت الأزمة والخلافات بين الجهات القضائية مجددا، بداية من المقترح الأخير الخاص بإلغاء الطعن على أحكام الجنح أمام محكمة النقض، حيث طالبت محكمة استئناف القاهرة بإقراره، خاصة بعد أن تم نقل هذا الاختصاص من محكمة النقض إلى محكمة استئناف القاهرة وحدها، وذلك بموجب التعديلات التي أقرها البرلمان شهر يوليو/ تموز الماضي بأغلبية الأعضاء، بشكل مؤقت لمدة 3 سنوات، بهدف إسراع عملية التقاضي.

ورفضت محكمة النقض من جانبها أن يكون نقل الاختصاصات بشكل نهائي، وأكدت أن المرحلة الحالية هي مرحلة مؤقتة وليست دائمة، واعتبرت ذلك سحبا وانتقاصا لاختصاص من اختصاصات محكمة النقض، وهو ما أحدث صداما بين محكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة.

نقطة الخلاف الثانية يوضحها المستشار عادل الشوربجي، النائب الأول لرئيس محكمة النقض عضو مجلس القضاء الأعلى، والذي أكد أن الخلاف الرئيسي في وجهات النظر المختلفة بشأن المقترح الخاص بسماع شهود الإثبات بالقضية، حيث إن نص القانون الحالي يلزم سماع شهود الإثبات في درجة التقاضي الأولى، ودرجة التقاضي الثانية في حالة قبول النقض على حكم أول درجة وإعادة المحاكمة مجددا.

وأضاف أن هناك فريقاً يطالب بأن يكون الاستماع لسماع الشهود "اختياريا" لرئيس المحكمة، وفقا لما يراه في أيّ من درجات التقاضي، وفريقا يطالب بأن يكون إلزاميا في أول درجة واختياريا في ثاني درجة، وفريقا يطالب بالإبقاء على النص الحالي دون تعديلات.

وفي سياق متصل، أكد قاضٍ بارز بمحكمة النقض، طلب عدم ذكر اسمه، أن المقترحات المعروضة رفضت سابقا لاعتبارها إجراءات استثنائية في القضاء لم تحدث من قبل، وتتنافى مع المبادئ القانونية التي رسختها محكمة النقض، وتهدر المبادئ المقررة، وأنه لا مجال للقرارات الاستئنائية في القضاء.

وأكد مصدر قضائي بارز بمجلس الدولة، أن التعديلات الأربعة المقترحة، لم تتضمن أي جديد عن التعديلات المطروحة من قبل، وإذا استمرت على هذا النحو فإن مصيرها الرفض القاطع من مجلس الدولة لما يشوبها من عوار دستوري، مشيرا إلى أن نادي القضاة لم يفتح أي قناة للتواصل والتناقش في التعديلات.

وجهة نظر الأغلبية العظمى من المحامين، وضحها المحامي صالح حسب الله، والذي أكد أن مقترح تقليص المدة المسموح فيها بالطعن على الأحكام من 60 يوما الى 40 يوما، لا يوجد سبب يبررها، ويعد إهدارا لحق الدفاع ويجعل معه استحالة في الطعن، كما أنه سيتعارض مع نص المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية.

وأضاف أن المقترح بتعديل سماع شهادة الشهود ليكون أمرا جوازيا لرئيس المحكمة، يخالف ضمانات التقاضي المنصوص عليها في الدستور، وليس هذا فحسب؛ بل إنه يخالف ضمانات التقاضي الدولية في المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعتها مصر، مشيرا إلى أن هذا التعديل لاقى اعتراضا من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المحامين لما في هذا التعديل من مساس بضمانات التقاضي، فهو يجعل المحاكمات أشبه بالمحاكمات الصورية.

أما التعديل الخاص بأن جميع الأحكام تعد حضورية بعد إعلان المتهمين، فأكد "حسب الله" أنه أمر غاية في الخطورة، حيث إن اعتبار المتهم الغائب عن المحاكمة حاضرا ويعقبه تعديل مقترح أيضا بعدم الطعن على هذا الحكم أمام محكمة النقض إذا كانت القضية جنحة، فإن ذلك يهدم فكرة التقاضي على درجتين، كما أنه يهدر حق التقاضي الذي يعد أحد الثوابت والرواسخ القانونية التي أكدتها محكمة النقض في أحكام عديدة.