نحو السماء

24 أكتوبر 2016
تصلّي للذين تحبهم (اشارة س. كوديكارا/ فرانس برس)
+ الخط -
كنت صغيرة وكنت أستيقظ باكراً في الصباح، رغم أنّ لا شيء يشغل نهاراتي الطويلة غير اللعب والتلفزيون. جميع الصغار يستقيظون باكراً، ثم يكبرون ليتحسّروا على كل دقيقة كان في إمكانهم أن يناموا فيها ولم يفعلوا. كبار السن يستقيظون باكراً أيضاً، رغم أنّهم يطيلون السهر. جدّتي لأمي تنام بضع ساعات فقط. تقول إنّ النوم يطير من عينيها مهما كانت متعبة. الفجر إذاً للّذين إمّا ما زالوا صغاراً ولا يعرفون شيئاً بعد، وإمّا كبروا وباتوا يعرفون أكثر ممّا يجب.

كانت جدّتي إمّا تصلّي باكراً جداً قبل أن تدخل المطبخ ولا تعود تخرج منه، وإمّا تنير شمعة للعذراء، أو لقدّيسين، وتقطف لهم أجمل الزهور خلسة من حديقة الجيران. هذه ليست بسرقة، لأنها خالية من الأنانيّة. فجدّتي كانت تحرم نفسها من أن تقرّب طبق الورد من أنفها كي لا تمتّع نفسها بعطره، وتستهلك من جماله الذي تبقيه بالكامل للعذراء مريم.

كنت أعرف تقريباً جميع الذين كانت جدتي تذكرهم في صلاتها. لأبنائها وبناتها وأولادهم، لأفراد عائلتها الأحياء والأموات منهم، تصلّي جدّتي. كانت تأخذ على عاتقها الصلاة لـ "الموتى المنقطعين"، كما تسمّيهم، أي الأموات الذين لا أهل وأقارب لهم ليصلّوا من أجل راحة أنفسهم. وتصلّي أيضاً للنفوس العالقة في المطهر، ما بين الجنّة والنار، حتى لا يطيل مكوثهم فيه وينتقلون بفضل صلواتها المكثّفة إلى يمين الله في أسرع وقت.

والصلاة لم تكن وقتاً مقتطعاً من النهار، بل شأناً يتواصل ولا ينقطع إلا لساعات قليلة هي ساعات النوم الخفيف. تعبر من غرفة إلى غرفة وتدعو بالصحة الجيّدة لبناتها اللواتي يعملن من "الفجر حتى النجر". تلقي نظرة سريعة إلى ساعة يدها، أو تلك المعلّقة على حائط المطبخ، فتطلب من العذراء مريم أن تحرس أبنائها من كلّ شرّ. تطلب الرحمة لروح والدها وروح والدي "عدد حبّات التراب التي تغطّي قبريهما".

أحبّت جدّتي كاترين والدها، الذي كان يرفض أن يدعوه مقرّبوه باسم غير "أبو كاترين"، حتّى بعد أن رزق بذكور. وكانت تصلّي لراحة نفسه، وكنت أعرف ذلك عندما تتمتم اسمه أثناء الصلاة، رغم أنّني كنت صغيرة.

كانت تصلّي له، ثم تصلّي لاسمين آخرين من بعده لم أكن أعرفهما ولم يحملا اسم عائلتها. حفظت الاسمين، وسألت عنهما، فبدا سؤالي مستغرباً وكأنّه ممنوع. انتظرت ريثما كبرت حتى عرفت ما يعرفه هؤلاء الذين يولدون كباراً. كانت جدّتي تصلّي لراحة نفسَي الرجلين اللذين تسببا في مقتل والدها، كي تساعد في ارتفاعهما نحو السماء التي تبدو لجدتي غير بعيدة.

المساهمون