الجوازات الموقتة.. حاملوها في الأردن يترقبون الأصعب

الجوازات الموقتة.. حاملوها في الأردن يترقبون الأصعب

29 يناير 2016
يتجاور العلمان في كثير من المناسبات (Getty)
+ الخط -
يعيش حملة الجوازات الموقتة، في الأردن، سواء من قدموا من غزّة عام 1967 أو من سحبت جنسيتهم الأردنية تنفيذاً لقرار فك الارتباط عام 1988، هاجس إصدار تصاريح العمل بحسب قرار حكومي أخير

يتواصل الجدل حول قرار الحكومة الأردنية "البدء في استيفاء رسوم تصاريح العمل من حملة الجوازات الموقتة وأبناء قطاع غزة اعتباراً من تاريخ 1-1- 2016". وعلى الرغم من تراجع الحكومة عن القرار بعد أيام من صدوره، تتجه الأنظار إلى مجلس النوّاب (البرلمان) الذي سيناقش قريباً استثناء هؤلاء من إصدار التصاريح من خلال تعديل قانون العمل، وليس قانون الإقامة وشؤون الأجانب. فالقانون الأخير طالب بتعديله بعض النوّاب، من دون أن ينتبهوا إلى أنّ حملة الجوازات الموقتة لا يحصلون على إذن إقامة أساساً.

إذاً هو التباس تشريعي بتأويلات سياسية متعددة، إلّا أن الوعود النيابية دفعت إلى إلغاء أو تأجيل اعتصام "أبناء غزة للحقوق المدنية"، وهو ما يتطلب إعادة النظر في أساس القضية وتداعياتها المستقبلية.

اختلفت التقديرات المفترضة حول أعداد حملة الجوازات الموقتة، وعدد المنخرطين منهم في سوق العمل. تذكر تقارير صحافية أرقاماً تتفاوت بين 800 ألف نسمة ومليون. لكنّ التعداد السكاني، والذي أعلنت نتائجه الأولية منذ أيام، قد يشكل مفاجأة لكثيرين، حين أشار إلى أنّ عدد الفلسطينيين المقيمين، في الأردن، هو 634 ألفاً.

يمكن قراءة هذا الرقم بتجزئته إلى قسمين: "مقيمون" سحبت منهم جنسياتهم الأردنية إثر صدور قرار فك الارتباط في عام 1988، وهؤلاء يقدر عددهم بنحو 400 ألف، ويحملون جوازات سفر أردنية من غير رقم وطني، ويجددونها كل خمس سنوات، وأبناء غزة الذين جاءوا إلى المملكة ما بين عامي 1967 و1968، ويحملون جوازات سفر أردنية من غير رقم وطني، ويجددونها كلّ عامين، وهم يتعلمون ويتلقون خدمات صحية على نفقتهم الخاصة، ويحرمون من العمل في عشرات الوظائف، وتقدر أعدادهم بنحو 250 ألفاً.

تضارب الإحصاءات يصاحبه خلط في التسمية، فالقسم الأكبر من أبناء غزة هم لاجئون من قرى بئر السبع كانوا يحملون وثائق مصرية عقب لجوئهم إلى القطاع، بالإضافة إلى غزيين أتوا مباشرة من القطاع إلى الأردن.

نقاش الأرقام والتسميات مع النائب في البرلمان الأردني رلى الحروب دفع بها إلى توجيه أسئلة إلى الحكومة، تطلب منها تقديم أعدادٍ مفصلة وموضحة لحملة جوازات السفر الموقتة (بجميع مكوناتهم)، وعدد المنخرطين منهم في سوق العمل، وعدد المنتفعين من التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي، وعدد الملتحقين من أبنائهم بالمدارس الحكومية، وتحديد أعداد اللاجئين منهم المستفيدين من خدمات وكالة "الأونروا".

توضح الحروب لـ"العربي الجديد" أنّ تيار التجديد النيابي، والذي تنتمي إليه، يتبنى حلاً جوهرياً يتمثل بتعديل المادتين 11 و12 من قانون العمل، ليجري استثناء حملة الجوازات الموقتة من إصدار تصاريح العمل، ومعاملتهم في هذا الشأن معاملة المواطن الأردني. وسيجري التصويت على التعديل الموقت في الأيام القليلة المقبلة.

يعكف التيار، والذي يضم ستة أحزاب، على دراسة قانونية لمقترح شامل يقدمه إلى الديوان الملكي والبرلمان والحكومة، ويقضي باستحداث بند "مقيم دائم" لكلّ من أقام عشرة سنوات متصلة على الأراضي الأردنية. وبذلك، يُمنح بطاقة تجيز له العمل في جميع الوظائف ما عدا القطاع العام، على أن يتمتع بالتأمين الصحي، وحق تعليم أبنائه في المدارس الحكومية، واستصدار رخصة قيادة.

حقوق "المقيم الدائم" ستساهم في حلّ أزمة حملة الجوازات الموقتة، وفي مقدمتهم أبناء قطاع غزة، والذين يحرمون من العمل في ما يسمى بـ"المهن المغلقة"، أسوة بالعمالة الوافدة، وهي تضم المهن الطبية، والهندسية، والإدارية، والمحاسبة، والطباعة، والسكرتاريا، والهواتف، والاتصالات، والمستودعات، والبيع بكلّ فئاته، وصالونات الحلاقة، والديكور، والتعليم بمختلف اختصاصاته باستثناء النادر مع تعذر وجود الأردني، وبيع المحروقات في المدن الرئيسية، والكهرباء، والميكانيك، وتصليح السيارات، وقيادة السيارات، والحراسة، وغير ذلك.

استثناءات

سعت الحكومة إلى تبرير صدور قرار استيفاء رسوم العمل بورود طلبات من حملة جوازات سفر موقتة للموافقة على صرف مستحقاتهم من الضمان الاجتماعي عن سنوات عملهم في القطاع الخاص باعتبار صفة عملهم قانونية. ولأنّ التشريعات المنظمة لا تجيز صرف هذه المستحقات، ما لم تُغطَّ فترة اشتراك العامل بتصاريح عمل قانونية، وهو ما لا ينطبق على معظم العاملين من هذه الفئات، شكّلت لجنة خاصة داخل وزارة العمل، وأوصت بإعفائهم تماماً من رسوم تصاريح العمل للسنوات السابقة.

لا أحد يعلم، إلى اللحظة، لماذا قرن القرار المذكور الإعفاء عن رسوم السنوات السابقة باستيفاء الرسوم منذ تاريخ صدوره، وهو ما استدعى تراجع الحكومة عنه. يؤكد الأمين العام لوزارة العمل حمادة أبو نجمة لـ"العربي الجديد" عدم وجود أي توجهات أو رؤى جديدة تتعلق بهذه الفئة، وأنّ وزارة العمل هي جهة تنفيذية تطبق القوانين والتعليمات، والتي لم يحدث أي تغيير فيها. أما تعديل التشريعات فهو من صلاحيات البرلمان وحده.

يذكّر أبو نجمة أنّ عدد المشتركين في الضمان الاجتماعي من حملة الجوازات الموقتة لا يتجاوز 12 ألفاً، منهم 4400 من أبناء قطاع غزة. ولا يتجاوز عدد الحاصلين منهم على تصاريح عمل 39 شخصاً، من أصل مليون و200 ألف مشترك في الضمان.

من جهتها، نشرت رئيسة تحرير صحيفة "الغد" جمانة غنيمات مقالاً بعنوان "قرارات الفوضى والارتباك" مع صدور القرار. وقد وصفت فيه متخذ القرار بأنه "قد أسقط ظروف لجوئهم ومعاناتهم مع المحتل الإسرائيلي من الحسبة، كما أسقط البعد الاجتماعي والسياسي من معادلة اتخاذ القرار".

ليست المرة الأولى التي يتجاذب فيها الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قضايا تتصل بحملة الجوازات الموقتة. ويبدي معارضون لمنحهم حقوقاً مدنية خشيتهم من "اختلال" التوزيع الديموغرافي لسكان الأردن. وبسبب تركيزهم على البعد السياسي يقع هؤلاء في التباس كبير لدى طرحهم الخلاصات أو الحلول.

الكاتب فهد الفانك ذهب في مقاله "اجتياح الأردن بشرياً"، في صحيفة "الرأي"، إلى مقاربة ما سماه "السماح للغزيين بالعمل، وإعفائهم من رسومه من ناحية اقتصادية محضة تتعلق بارتفاع نسبة البطالة في صفوف الأردنيين"، مطالباً بعودتهم "المتاحة" إلى قطاع غزة. ولم ينتبه إلى أنّه ليس هناك "سماح"، بالمعنى الفعلي للكلمة، وأنّ العودة التي يتحدث عنها غير متاحة ضمن الظروف السياسية الحالية.

غياب أرضية مشتركة ومتوافق عليها للنقاش يحيل المسألة إلى استقطابات إقليمية تغلب عليها نزعات عنصرية، لكنّ هذا لا يمنع من قراءات عقلانية سجلها الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان، مثلاً، في مقاله "قرار جائر"، في صحيفة "الغد" بالتأكيد أنّه ليس من مصلحة الدولة الأردنية إفقار الغزيين وحملة الجوازات الموقتة، مشيراً إلى أنّ "عواقب عدم تقنين عمل حملة الجوازات الموقتة تفوق بكثير الفوائد المترتبة على القيود المفروضة عليهم، فلا المهن المغلقة في وجههم مغلقة بالفعل، ولا البطالة في صفوف الأردنيين تنخفض من جراء هذا القيد".

مخاوف

بالانتقال إلى المتأثرين بمثل هذه القرارات، لم يتمكن عماد السوافيري يوماً من العمل كمحاسب قانوني، بحكم شهادته واختصاصه. اضطر للعمل كمحاسب مبتدئ براتب متدن في عدد من الشركات، لكنه كان يجبر على ترك عمله دائماً بسبب التدخلات الأمنية. لجأ إلى العمل الجزئي. هو محروم من الانتساب إلى جمعية المحاسبين، ومن استكمال اشتراكه في الضمان الاجتماعي اختيارياً، كما يتاح للأردنيين الذين يشتغلون أعمالاً حرة، أو من الانتفاع من "بدل التعطل"، في حال ترك وظيفته.

من جهتها، حصلت لينا البحصي على شهادة برمجة كومبيوتر من جامعة خاصة على نفقة والدها قبل أربع سنوات. اليوم، تعمل في إحدى الشركات السعودية في عمّان، لكنّ راتبها أقل من جميع زملائها في الوظيفة نفسها من دون أن تحصل على تأمين صحي. كما لم تسجل في الضمان الصحي، ولم تحصل على إجازات عمل، وفق نظام المكافأة التي تمنح على أساسه أجرها.

تشير ريما بدورها، إلى استغلال أرباب العمل لمعاناتهم. فهي لم تستطع أن توقع عقداً واحداً في جميع المواقع التي عملت فيها لفترات قصيرة، عقب حصولها على شهادتها الجامعية في مجال الإعلام قبل خمس سنوات. كانت دائماً تتلقى راتباً أقل من زملائها، أو تضطر للعمل من غير أجر أملاً في تثبيتها، وهو ما لم يحدث أبداً.

تؤكد ريما، والتي درست على نفقتها الخاصة، جهلها طوال الأعوام الماضية ببعض حقوقها في العمل. فقد ادعت أغلبية المؤسسات عدم شمولها في الضمان الاجتماعي. كانت تصدق ذلك بالنظر إلى المشقة التي تواجهها كلما أرادت تجديد جواز سفرها.

مشكلة صالح تبدو مختلفة بعض الشيء، فهو يحمل جواز سفر موقتاً لخمس سنوات، بعد نزع جنسيته الأردنية تنفيذاً لقرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية عام 1988. هو يجدد إقامته سنوياً، لكنه بات يخشى تفعيل القرار بإصدار تصريح العمل، والذي ستحيله وزارة العمل إلى دائرة المتابعة والتفتيش ثم إلى الجهات الأمنية المختصة ويأتي الرد سلبياً، في معظم الحالات المتقدمة له.

حلّ جذري

يميّز مدير "مركز الفينيق" للدراسات الاقتصادية أحمد عوض ما بين حملة الجوازات الموقتة من الغزيين، والذين يعاملون بوصفهم "أجانب" في ما يخص حق العمل والتعليم والطبابة واستصدار رخصة القيادة، وبين حملة الجوازات الموقتة من الأردنيين الذين سحبت عنهم الجنسية تبعاً لقرار فك الارتباط، وظل التعامل معهم بوصفهم أردنيين بحقوق منقوصة.

يعزو اختلاف التقديرات حول تعدادهم إلى أنّ الدولة الأردنية اعتادت عدم الإفصاح عنها، لافتاً إلى أنّ النتائج الأولية للتعداد السكاني لعام 2015 هي الأقرب للدقة.

يشير عوض إلى أنّ حملة الجوازات الموقتة لا يعملون في القطاع العام، إلا باستثناءات قليلة مثل قطاع الممرضين الذي يعاني نقصاً في السنوات الماضية. كما يعمل بعضهم في القطاع الخاص من دون تصاريح عمل. وهناك المئات من "أبناء غزة" يعملون في ميناء العقبة أيضاً.

يبدي عوض مخاوفه من إلزام هؤلاء بإصدار تصريحات عمل، حتى لو كانت معفاة الرسوم، لأنّ ذلك يعني منعهم الكامل من مزاولة كلّ ما يندرج تحت قائمة "المهن المغلقة".

ويدعو عوض إلى حلّ جذري لحملة جوازات السفر الموقتة وفق قرار جامعة الدول العربية، والذي صدر في ثمانينيات القرن الماضي، مطالباً كلّ الدول التي تستضيف فلسطينيين بمنحهم الحقوق المدنية، والتي تشمل التعليم والعمل والصحة، والضمان الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: "الحلم الكندي".. سوريّو الأردن يوضّبون حقائبهم